الحرب الطويلة ليست لصالح الولايات المتحدة

TT

بدأت الحرب المتوقعة على العراق بمفاجأتين. جاءت المفاجأة الأولى من واشنطن التي قررت ان تربح الحرب قبل ان تخوضها عن طريق هجمات صاروخية فاشلة استهدفت شخص الرئيس العراقي في عملية أطلقت عليها تسمية «قطع الرأس».

وجاءت المفاجأة الثانية من الشارع العربي، ولا سيما الشارع المصري الذي اطلق التظاهرات ضد الحرب، واتوقع ان تتوسع الحركة الشعبية الضاغطة في العالم العربي وتمتد الى العالم الخارجي وقد بدأت في اليونان، ولا استبعد ان تعم التظاهرات العالم خصوصاً اذا ما طالت الحرب.

والواقع ان الحرب الطويلة هي لصالح العراق وليست لصالح الولايات المتحدة. وقد التقى الرئيسان الأميركي والعراقي على انها قد تكون طويلة. ففي اعلانه الحرب حذر جورج بوش من ان تكون «صعبة وطويلة». وفي اول ظهور له بعد نشوب الحرب توعد صدام حسين الاميركيين «بقتال طويل وقاس». لكن الفارق كبير بين المقولتين. ففي اعلانه الحرب يتمنى جورج بوش في قرارة نفسه ان ينهيها خلال ايام ليعوض خسارته السياسية بانتصارات عسكرية، في حين يجهد صدام حسين ميدانياً لتطويل أمد الحرب الى اشهر، مما يفسح في المجال امام معارضيها لوقفها قبل ان تكون واشنطن قد حققت أهدافها في القضاء على النظام العراقي، وقد بدأت الصين تطالب منذ اليوم الاول للحرب «بالوقف الفوري» لها.

وتبدو فرنسا مستعدة للعب مثل هذا الدور خلال الحرب بعد ان سلكت طريقاً شجاعة ما قبلها. فقد تحدّت باريس واشنطن وافشلت خططها بالحصول على تفويض دولي بغزو العراق واظهرت، على حد قول الرئيس الفرنسي جاك شيراك، بأن الخلاف هو بين نظريتين الى العلاقات الدولية: النظرة الأميركية القائمة على مبدأ القوة والحلول العسكرية للنزاعات بما فيها النزاع في العراق، والنظرة الفرنسية القائمة على مبدأ الحق والقانون والتسويات السلمية لكل النزاعات القائمة.

والى جانب فرنسا وقبلها يبدو موقف البابا يوحنا بولس الثاني حاسماً، فقد دان بصورة مطلقة الحرب على العراق وبلغة عالية النبرة طغت على كل الأصوات الأخرى، فأسقط كل محاولات تحويل هذه الحرب الى حرب دينية مسيحية ـ إسلامية، ووقف الى جانب منطق القانون في وجه منطق القوة.

والتحدي التاريخي الذي يواجه العرب هو كيف يستعيدون اعتبارهم على الصعيد الدولي وامام شعوبهم؟ وكيف يترجمون قرارهم الداعي الى اعتبار أي اعتداء على أي دولة عربية هو اعتداء على الدول العربية كافة؟ إن هذا القرار الذي اتخذ في «قمة بيروت العربية» وأثنت عليه «قمة شرم الشيخ» لا يجد له ترجمة عملية في أرض الواقع. وكان من المستحسن أن يتخذ قرار آخر يدعو الى اعتبار أي اعتداء على أي دولة عربية يعنيها وحدها.

وتفترض الحسابات الاستراتيجية أن يكون الاجتياح الأميركي خاطفاً وحاسماً، وهزيمة العراق أمراً لا يرد. ويستند معظم هذه الافتراضات على سابقة حرب الكويت، وعلى حجم القوات العسكرية التي تحشدها واشنطن في الخليج والمتوسط، وعلى الآلة العسكرية المتطورة الموضوعة بتصرف هذه القوات.

قد تكون هذه الحسابات والافتراضات في محلها وقد لا تكون، وأرض المعركة هي التي تفصل في المحصلة وليس الخطط على الورق. وقد تبرز معطيات على الأرض لم تؤخذ في الحسبان وتعيد خلط الأوراق. واشنطن تريد حرب الايام المعدودة، وبغداد تسعى لان تكون حرب الاشهر الطويلة. فاذا حسمت الولايات المتحدة الحرب كما تريد فانها ستستعيد بالعسكر ما خسرته بالسياسة. أما اذا طالت الحرب كما تريد العراق، فان وضع جورج بوش سيكون حرجاً، ويصبح حليفه البريطاني طوني بلير مهدداً بالسقوط السريع.

أفضل السيناريوهات بالنسبة للرئيس الاميركي كانت بتنحي الرئيس العراقي عن السلطة وتسليمه مفاتيح بغداد. وقد راهن جورج بوش باعتراف العديد من المقربين منه على حدوث مثل هذا الأمر، لكنه اخطأ في التوقعات لانه يجهل صدام حسين والعراقيين، مما اضطره في نهاية المطاف الى إعلان الحرب مع محاولة لاغتيال صدام حسين. ان مجرد تصور جورج بوش بان صدام حسين ممكن ان يتنحى، او ممكن اغتياله بسهولة، يدل على جهل مطبق بشخصية الرئيس العراقي وبطبيعة العراقيين وطبائعهم.

إن جورج بوش وصدام حسين يدركان تماماً حجم الحرب وكلفتها وخسائرها وانعكاساتها عليهما شخصياً. ففي حال كانت الحرب خاطفة ونجح الجيش الأميركي بقتل صدام حسين، خلافاً لما حدث مع اسامه بن لادن، فان جورج بوش يخرج من الحرب منتصراً على الأقل في المدى القصير. وفي حال طالت الحرب وحالف الحظ صدام حسين بالبقاء على قيد الحياة والاستمرار في المقاومة، فان جورج بوش يفقد أي حظ له في تجديد ولايته مرة ثانية.

إن كل يوم تأخير في حسم المعركة يلعب ضد مصلحة جورج بوش ولصالح صدام حسين، ويلحق الضرر بحلفاء الولايات المتحدة في هذه الحرب، سواء من يشارك في العمليات العسكرية أم من يوفر الدعم السياسي أو اللوجستي لها.

ان الحرب الطويلة تفضي الى حالة استنزاف عسكري في صفوف القوات المغيرة والى تصاعد الممانعة السياسية في أرجاء عديدة من المسكونة، سواء في العالمين العربي والإسلامي أم في أوروبا ام داخل الولايات المتحدة بالذات. وقد جاءت ردود الفعل الاميركية متباينة منذ اليوم الاول للحرب، فأعلن عضو الكونغرس دينيس كوشينك بأنه «يوم حزين للشعب الأميركي وللعالم وللشعب العراقي».

بناء عليه، تعمل واشنطن على إحداث «صدمة ورعب» داخل العراق بإسقاط آلاف القنابل والصواريخ بقصد اشعار القوات العراقية بضرورة الاستسلام وعدم جدوى المقاومة بقصد السيطرة على بغداد في اقل من شهر.

وفي ظني ان النتائج غير محسومة وتختلف اختلافاً جذرياً بين حرب خاطفة ونصر أميركي سريع، وبين حرب مكلفة ومتمادية تتداخل فيها العوامل الإقليمية والدولية المعلومة وغير المعلومة.

لقد بدأت الحرب بمفاجأتين، وقد تنطوي على مفاجآت كثيرة قبل ان تنتهي.