يوميات الحرب البايتة

TT

هكذا يجب أن يكون عنوان هذه المقالة، فأنا أكتبها في الساعة الثالثة عصر الخميس بتوقيت الكويت، وما أن تصل إليك عزيزي القارئ حتى تكون أخبار هذه «اليومية» قديمة وبايته تطورات الحرب وتسمر الناس في العالم أمام شاشات التلفزيون وعند سماعات الراديو تجعل التقرير والكتابة الصحفية عن الحرب مسألة بطيئة، ومن يدري ـ فقد تكون الحرب ساعة نشر هذه المقالة قد انتهت فعليا، أو هكذا نتمنى جميعا في الكويت والعراق، وفي العالم المحب للسلام من أقصاه إلى أقصاه.

قبل ساعات ـ وتحديدا بعد نهاية مهلة الرئيس بوش للرئيس العراقي بمغادرة العراق بتسعين دقيقة ـ بدأت غارات بالصورايخ على بغداد، يبدو من كلام المحللين أنها استهدفت القيادة العراقية، والقيادة العراقية بدورها ردت بضرب الكويت بصواريخ دوّت لها صافرات الإنذار، وتم اعتراض بعضها وسقط البعض الآخر دون إصابة أهداف، لماذا استهدف صدام الكويت العزلاء بصواريخه ولم يستهدف القوات المسلحة الحليفة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟ الإجابة: «أسد علي، وفي الحروب نعام».

الشارع العربي مع السلم وضد الحرب، والشوارعيون العرب يهتفون لصدام حتى الرمق الأخير، أحد منكم لاحظ أن غالبية الشوارعيين الذين يقفون مع صدام ليسوا عراقيين؟ طبعا حجة هؤلاء أنهم ليسوا مع صدام، ولكنهم مع العراق ومع الشعب العراقي، متطابقين بذلك مع موقف النظام العراقي الذي يرى أن العراق «هو صدام، وصدام هو العراق».

الخليجيون والعرب الشرفاء يقفون مع العراق ومع الكويت، القوات الخليجية المتواجدة في الكويت لها وقع مؤثر جدا في نفوس الكويتيين، زيارة رئيس الأركان الإماراتي ووزير الإعلام والثقافة كانت وقفة "فزعة" تعود عليها الكويتيون، لم تكن مفاجأة لكن توقيتها كان الأفضل، كما انصب تضامن مجلس التعاون الخليجي وتصريحات أمينه العام أثناء زيارة للكويت في خانة طمأنة الكويتيين وتماسكهم وإيمانهم بحقهم في الحياة والدفاع عن أنفسهم. والعراقيون ـ بدورهم ـ يتطلعون لليوم الذي تضطلع فيه القوات العربية الخليجية بدورها الإنساني في تخفيف معاناة الشعب العراقي المنكوب.

الأخبار تتوالى عن تطلع العراقيين أيضا لنهاية ليلهم الذي طال سواده، وكثيرون منهم متفائلون بأن هذه ستكون آخر الحروب التي اكتووا بلظاها بسبب نظامهم، الغريب أن العراق الرسمي دعا للمواجهة في ما أسماه آخر الحروب، للشعب العراقي تفسيره الخاص لما يعتبره بالحرب الأخيرة.

العراقيون والكويتيون مكرهون على هذه الحرب، لكن لسان حالهم يردد المقولة الشهيرة: «الحرب خير من العيش تحت وطأة التهديد المستمر بها»، والبدو يقولون: «رمح تُزرق به (أي ترمى به)، ولا رمح توعد به».

كنت في لقاء مع شبكة الـ«سي. إن. إن» الأمريكية، حين دوت صافرات الإنذار في أرجاء العاصمة الكويتية، وها هي تدوي ثانية قبل أن أنهي هذا المقال (الساعة 3:35) قد تعرضت الكويت للعدوان، وكانت صواريخ صدام رسالة لمن شكك في نواياه بأذى الكويت وجيرانه متى ما سنحت له الفرصة لذلك، ولعلها فرصة اللحظة الأخيرة لصحوة ضمير من ضلله الإعلام الشوارعي العربي بأن ينحاز للعراق حقا، وأن يقف مع الحق قبل فوات الأوان.

أكرر أمنيتي التي بدأت بها هذه المقالة، بألا تطول الحرب، وأن يجنب الله الكويت والعراق المزيد من المصائب التي بدأها صدام، ولن تنتهي إلا بنهايته.