المتهمون

TT

لكل جريمة طرفان، ضحية ومتهم، وضحية الجريمة التي بدأت فصولها الأخيرة على أرض العراق منذ أيام معروفة، وهي الشعب العراقي الذي دفع الثمن طويلاً من قبل ويستمر في سداد دين لا يعرف من أين أتى.

أما المتهمون في هذه الجريمة فهم كثر، ويحتار المرء في أن يحددهم وفقاً لحجم تورطهم في الجرم، ليس سهلاً تحديد من هو المتهم الأول أو الأخير في قائمة الاتهام. ولكن ما سنحاول الاشارة إليه هو طرح أسماء من يعتقد أنهم متهمون، وأترك لكم مهمة ترتيب المتهمين.

عندما شاهدت الرئيس الاميركي جورج بوش ـ الذي بدأ العراقيون يحملونه أوصافاً عديدة ـ أثناء كلمته الأولى عقب بدء العمليات العسكرية ضد العراق، وكان يتحدث عن الأبرياء الذين سوف يحاول تجنب قتلهم أو اصابتهم، ركزت في عينيه وبدا لي كممثل سيئ يحاول ابتزاز عطف الجمهور، والجمهور يعلم وبوش يعلم أنه ليس محلاً لهذا التعاطف أو هذه الثقة. لم أستطع إلا أن أشعر بأن رئيس القوة العظمى في عالم اليوم، ما هو إلا زعيم لقوة متعجرفة.

حولت «الريموت» الى التلفزيون العراقي، فشاهدت دليلاً آخر يشير بوضوح الى المتهم الثاني، مظاهرات لرجال ونساء وأطفال يحملون في أيديهم صوراً للرئيس العراقي، يغنون ويهتفون «بالروح بالدم نفديك ياصدام»، بدوا لي كالطير المذبوح يرقص من الألم، وتداعت الى ذهني القصص الكثيرة التي سمعتها من أصدقاء عراقيين عاديين عن الأهوال التي عاشوها، ومازال أهلهم يعيشونها في بلدهم، وتداعت الى ذهني أيضاً الروايات الكثيرة عن طبيعة نظام الحكم هناك، وعن الدماء الكثيرة التي تلون أياماً ـ بل أعواماً ـ من تاريخ العراق طوال الحقبة الماضية وما زالت.

ويقف في قائمة المتهمين النظام العربي، ذلك النظام الذي واجه منذ أعوام طويلة سؤالاً متكررا أمام كل أزمة «هل تلك هي نهاية النظام العربي؟» وتنتهي الأزمة، وتأتي أخرى ليطرح ذات السؤال. وأظن أن الوقت قد حان الآن لتغيير صيغة السؤال «هل هناك ما يمكن تسميته بالنظام العربي؟»، لقد وقف ما يسمى بـ«النظام العربي» موقفاً لا لون له ولا قوام، ولأنه ـ أي النظام ـ ابن الأنظمة العربية المشتتة الشاردة، المتنازعة المتصارعة، فقد أتى ابناً ـ أي النظام ـ يحمل جينات أهله، فبدا عاجزاً عن التعامل مع المشكلة العراقية التي بدأت قبل قصف الأيام الأخيرة بعقدين من الزمان تقريباً.

أما الأنظمة العربية ـ معظمها ـ فقد آثرت التعامل بمنطق المصلحة القصيرة النظر، أو النفاق السياسي مع النظام العراقي خلال الفترة الماضية، ورأينا نظماً تغمض عينيها عن أصل المشكلة وتؤثر التعامل، يحكمها في ذلك النفاق السياسي لشعوبها أو النظام العراقي، أو لمصلحة قصيرة النظر أو حسابات سياسية أو اقتصادية ثبت الآن أنها خاطئة.

ولا أملك أن أعفي قطاعاً عريضاً من المثقفين والسياسيين من قائمة الاتهام، أولئك المثقفون والسياسيون الذين غضوا الطرف عن ممارسات النظام العراقي والنظام العربي، وتناسوا كل ما يتشدقون به عن حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، وبديلاً عن مناصرة الحق وما يدعون أنهم يؤمنون به، ناصروا ونافقوا نظاماً وأنظمة أهدرت الشعب العراقي وفي الطريق شعوبهم.

المساحة المخصصة للكتابة انتهت، والقائمة طويلة، والقرائن عديدة، وأكثر منها الأدلة، والآن أتى دوركم لتحديد من هو المتهم.

[email protected]