هل من محاولة أخيرة للنجاة؟

TT

كان بالإمكان أفضل مما كان..! فالتضحية بفرد لوحده زعيماً أو رئيساً أو حاكماً كان أفضل وأشرف من بقائه محتفظاً بعرش الرئاسة والقيادة على أشلاء مواطنيه وأطلال وإهدار ما يدخره العراق الشقيق من ثروة نفطية ونهضة صناعية وعلمية وتراث حضاري وإنساني عظيم مقابل استمرار ممارسة صدام حسين ومن معه شطحات ونطحات سياسية لا طائل من ورائها سوى التهلكة.

فالقيادة العراقية تتحمل وحدها كما يرى عقلاء الأمة مسؤولية ما لحق ويلحق بشعب العراق من كوارث ومآس.. وما لحق ويلحق بالأمة العربية والإسلامية من تناحر وشقاق. فقد اختارت تلك القيادة لعقود مضت الطريق الخطأ والأسلوب الأهوج من أجل احتفاظها بالسلطة المطلقة فوق جماجم وأشلاء شعب العراق الذي ابتلي بها كنظام حكم حزبي غوغائي يجثم على أرض العراق منذ 34 عاماً.

وهذه القيادة غرقت في مسلسل مغامرات وأغرقت معها أهلها وجيرانها في حروب واعتداءات بدءاً بالتنكيل بمواطنيها ومروراً بمهاجمة إيران وانتهاءً بغزو واحتلال الكويت.

ومعلوم أن الولايات المتحدة قد تعاونت بداية مع هذا النظام وساعدته «لغرض في نفس يعقوب» حين شن حرباً ضد الثورة الإسلامية في إيران، وساعدته مرة اخرى بالسكوت على جرائم ضد الانسانية ارتكبها في حلبجة.

وقد فاض الكيل حين تمادى نظام بغداد واحتل دولة الكويت. فاختلت الحسابات ومال ميزان المصالح والحقوق الاستراتيجي والاقتصادي لدول المنطقة وللكبار خارجها. وكشر وحوش صناعات النفط والسلاح في الولايات المتحدة الأمريكية عن أنيابهم وتحركت آلة حرب جهنمية مرة اخرى بعد عاصفة الصحراء للرد على سياسة حاكم العراق التسويفية في التعامل العاجل مع متطلبات القرار 1441، مستهدفة هذه المرة القضاء على النظام وتجريده من مخزون الاسلحة في آن واحد.

وكان النظام العراقي قد تسبب بأفعاله وأقواله وغرور صدام وأبنائه في خلخلة كل مقومات التضامن العربي وإسدال ستار تجاهل ونسيان على فرص الالتزام بميثاق الدفاع العربي المشترك الذي سبق لاتفاقية كامب ديفيد ومقررات قمة بغداد عام 1979 التي دعت الى مقاطعة مصر وعزلها عن عالمها العربي ؟ليحتل مكانها تحالف البعث العباسي والبعث الأموي، أن وضعته على الرف للزينة.

وتورط النظام العراقي في اللعبة الدولية باتباع سياسة تجاهل قواعدها والتمادي في تجاوز خطوط حمراء توضح معالم مصالح دولية ذات طبيعة استراتيجية وانغمس في مشوار تصنيع أسلحة دمار شامل احتفظت الدول المصدرة لموادها الأساسية بوثائق وسجلات تكشف كل التفاصيل والأنصاف والأرقام والكميات التي حاول نظام صدام حسين إخفاءها وانكار وجودها ثم عاد تحت سياط الجلاد «الصميل» وأقر بها على مراحل. (تقارير بليكس والبرادعي أمام مجلس الأمن).

إن فشل نظام صدام حسين في فهم أبعاد القرارات الصادرة من مجلس الأمن حول تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل، وعجزه عن فهم حيثيات قرارات مجلس الأمن التي وضعتها الدولة المنتصرة لتمليها على الدولة المهزومة، كما كان الحال مع دول الحلفاء المنتصرة ضد دول المحور المهزومة في الحرب العالمية الثانية. وللأسف لم يستجب النظام لنصيحة الاقرباء بالامتثال لما هو مطلوب منه ولم يأخذ بنصيحة جنوب أفريقيا الدولة الصديقة التي اقدمت على التخلص اختيارياً من مخزونها واتلاف وثائقها في مجال الذرة.

ورفض النظام العراقي كل دعوة خير ومسعى النيات الحسنة للاعتدال والاتزان والامتثال.

واليوم ونيران الحرب تحيط بالعراق.. والموقف العربي يتأرجح بين أسيف حائر وحليف يصرخ من بعيد في سراب البراري والقفار.. ومراهن مغامر يطلق العنان للتصريحات الجوفاء والهتافات التي تشق عنان السماء دون ان تلقي بطوق نجاة.

ووسط الأحداث المتلاحقة فإن استمرار الموقف العربي والدولي بالاكتفاء بالمشاهدة ومواصلة الحوار البيزنطي حول الخطأ والصواب لم يعد مجدياً.. فالأجدى هو البحث عن سبيل للخروج من المحنة وانتشال العراق الشقيق من بين الركام والأنقاض بأقل خسائر وبأسرع وقت. هذا ما يجب على الحكومات العربية الإسلامية عمله.

وما أحوجنا اليوم للعودة للمخرج الجميل الذي أعلنه الشيخ زايد بن سلطان بغيرته على امته في مشروع صريح لا لبس فيه ولا غموض للخروج من عنق الزجاجة لإنقاذ صدام حسين ورجاله من نهاية مؤسفة ويحقق للعراق الشعب والأرض قدراً من السلامة من عواقب استمرار حرب طاحنة يتسع نطاقها بمرور الوقت وتتفاقم أخطارها وعواقبها.

وسؤال حائر.. هل بالامكان انقاذ ما يمكن انقاذه بالعودة الى دعوة رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان وان يقنع الرئيس العراقي بفكرة التنحي ليجنب العراق وشعب العراق وأمة العرب والمسلمين ما سوف تسفر عنه هذه الحرب العدوانية من كوارث وضحايا وتضحيات توقع مستقبل الأمة في شراك الهيمنة والاخضاع الخارجي لأجيال قادمة، ويسجل التاريخ لصدام حسين موقفاً انسانياً واحداً يخفف عنه أوزار أعوام طوال؟

وهل بالإمكان ان يتم الاتصال بالقيادة العراقية عبر أمين عام الأمم المتحدة وأمين عام جامعة الدول العربية وأمين عام المؤتمر الاسلامي في محاولة لإقناع الرئيس صدام حسين بالتنحي من اجل سلامة شعب العراق ووحدة أراضي العراق وترتيب وقف اطلاق نار مع الولايات المتحدة لنقل فحوى مثل هذه الرسالة باسم أشقاء وأصدقاء العراق حتى يتفادى الجميع عواقب حرب غير متكافئة.

* وزير الخارجية الأسبق في اليمن