عراق ما بعد الحرب: ضرورة إعادة بناء كرامة أمة

TT

اذا اردت فهم مشاكل الولايات المتحدة في عراق ما بعد الحرب، فما عليك سوى النظر الى فرنسا. هذه حقيقة. لقد حُررت فرنسا من الاحتلال النازي عام 1944 بفعل اميركي وبريطاني مكلف في التضحيات والاموال. هل كانت فرنسا شاكرة على ذلك؟ ربما مؤقتا، ولكن في نهاية عام 1944 كان الجنرال شارل ديجول قد اوصل الاميركيين والبريطانيين الى الجنون. وكما يرى الجميع، فأن هذا التقليد تواصل حتى ايامنا هذه.

الذي انقذ كرامة فرنسا بعد الحرب كان اسطورة «المقاومة» أي قصة ان الفرنسيين قد حرروا انفسهم من الالمان. كان ذلك هراء بالطبع. في الحقيقة كان الانزال البحري للدبابات الاميركية والبريطانية هو الذي ادى لدحر الالمان وتقهقرهم الى بلدهم، لكن اسطورة وجود حركة المقاومة القوية كانت حجر الاساس في الثقافة والحياة السياسية الفرنسية بعد الحرب. وهذا ما سمح للفرنسيين بالثقة في انفسهم.

لنتخيل الان وضع العراق وهو على وشك التحرير من قبل دبابات بريطانيا واميركا والذي يشبه الوضع الفرنسي قبل ستين عاماً. ادارة الرئيس بوش تبدو مطمئنة بأن العراقيين سيكللون الجنود الاميركيين بالورود وينحنون لهم احتراماً وتقديرا شاكرين تحريرهم. ربما فعل العراقيون ذلك ايضاً اثناء الاسابيع الاولى. لكن العراقيين حساسون شُمّ ويملكون شعوراً قومياً جامحاً، ويمكنك القول انهم يشبهون في ذلك الفرنسيين. ستكون لديهم الرغبة بالشعور ان العراق الجديد هو وطنهم، وليس مقاطعة في امبراطورية اميركية.

الخطر من عودة فكرة الامبريالية الجديدة ظاهر للعيان في هذا الجزء من العالم، وكان قد لُفت الانتباه اليه في كتيب اصدرته شركه نفط العراق البريطانية في عام 1948 لارشاد موظفيها: «رغم اننا قد انجزنا الاستقلال للتو فأن الحساسية لازالت ظاهرة في هذه القضايا. هناك الشعور بتأكيد ضخم على توطين المهام والوظائف بكل جزئياتها، وهناك قابلية للشك في رؤية الاخرين حول العراق».

ما يقلقني بصدد خطط الولايات المتحدة بعد الحرب، انها خالية من الروح، ولا اهتمام فيها بشعور العرب بالكرامة وحاجتهم لتقرير مصيرهم بأنفسهم. هناك خطة موسعة لتنظيم عمل «الادارة المدنية المؤقتة» بقيادة الجنرال المتقاعد جاي جارنر. المشرف المدني، ميخائيل موبس، سيكون بمثابة رئيس وزراء مؤقت يشرف على كوادر اميركية بيروقراطية تدير من ناحيتها الوزارات العراقية.

التكلفة المالية لاعادة البناء هي الاخرى ضبابية. يظن البعض ان البلاد ستكفي ذاتها كون العراق غنياً بالنفط. لكن دراسة جديدة اعدتها شركة استشارية في واشنطن ترى ان تكلفة اعادة البناء ستكون في حدود خمسة وعشرين بليون كل سنة على مدار عشر سنوات، بينما نفط العراق لن يدر اكثر من اربعة عشر بليوناً سنوياً مما يخلف نقصاً يفوق العشرة بلايين دولار سنوياً.

من اجل بناء العراق تحتاج الولايات المتحدة ان تساعد الناس على صنع اسطورتهم في المقاومة الوطنية. حركات المعارضة العراقية المقيمة في الخارج، مثل المجلس الوطني بقيادة احمد جلبي، يمكنهم المساعدة بهذا الصدد. شخصياً اميل الى الموافقة على ما قاله زعيم اخر من المعارضة، اياد علاوي، بضرورة اشراك الناس العاديين داخل العراق في البناء. اناس قد يكونون من اجل البقاء قد انخرطوا في صفوف الجيش العراقي او حتى في حزب البعث.

اذا امكن وجود «مقاومة» محلية تتصدى لصدام مع اقتراب القوات الاميركية من بغداد، فأن اسطورة المقاومة الوطنية ستولد ومعها عزة الاستقلال، على غرار ما حدث في فرنسا. هذا الحال سوف يساعد في ديمومة العراق الجديد ويربط بين الناس وبلادهم التي لن تبدو كمستعمرة اميركية. سيشعرون بالفخر بدل العار.

السيناريو المفضل لنهاية الحرب كما تأمل المخابرات الاميركية والبريطانية، ان تنحاز غالبية قوات الحرس الجمهوري ضد الرئيس صدام حسين ويخوضوا المعركة بأنفسهم ضد انصاره في شوارع بغداد. ذلك الحال لن يخلق فقط الاسطورة المطلوبة حول المقاومة، ولكن سيجعلها حقيقة قوية ثابتة.

* كاتب اميركي ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»