هجمات 11 سبتمبر بداية الحرب العالمية الثالثة

TT

في زمن الحرب هذا وجدت أنه من المفيد أن أبتعد قليلا لذلك ذهبت الاسبوع الماضي الى المقر الرئيسي لحلف «الناتو» في بروكسل. يجب أن اعترف ان المشهد من هناك كان باهراً. والذي اعتقد انني قد رأيته كان بعض ألواح التاريخ المعمارية وهي تتحرك. وهنا اصفها كالآتي:

هجمات 11 سبتمبر (ايلول) كانت بداية الحرب العالمية الثالثة تقابلها بيرل هاربر. غزو الولايات المتحدة لافغانستان تقابله حملة شمال افريقيا. وغزو العراق يقابل يوم النصر في الحرب العالمية الثانية (آمل ان ينتهي هو الآخر) والآن نحن نشاهد نشوء شكل من اشكال القوة العالمية الجديدة الشاملة.

في هذه النقطة التاريخية المحورية الجديدة ما زلنا نتعامل مع عالم ثنائي الاقطاب لكن الانقسام هذه المرة لم يعد في مقولة الشرق في مواجهة الغرب. ولكن في عالم النظام في مواجهة عالم الفوضى. وهنا يأتي الأمر المدهش: إن الاداة الرئيسية التي سيحاول عالم النظام من خلالها التعامل مع تهديدات عالم الفوضى ما زالت «الناتو». وفقط، من خلال هذا الناتو الموسع الجديد تستطيع روسيا تدريجيا أن تحل مكان فرنسا، كما ان المنطقة التي سيوجه الناتو الجديد طاقاته نحوها لحفظ السلام ستتحول من الشرق الى الجنوب. نعم، سيظل مكان الناتو قائماً في اوروبا لكن المسارح الاساسية لعملياته ستكون في البلقان وافغانستان والعراق، ويحتمل ان تكون ايضا على الحدود العربية الاسرائيلية.

لا لم افقد كرتي الرخامية. وهذا هو ما يحدث: منذ غزو الولايات المتحدة لافغانستان تحملت عدد من الاقطار بريطانيا اولا ثم تركيا ثم هولندا والمانيا مسؤولية توفير قوة سلام تتكون من 7500 جندي في كابل. وهذه تعتبر عملية مكلفة للغاية بالنسبة لبلد واحد كما ان من عدم الفعالية بمكان تغيير القوات كل ستة اشهر لكن هذا ما اراده فريق بوش. انه لا يود ان يعيق الناتو طريق قواته الحربية أو يقف امام عملية بناء الدولة.

ولكن في فبراير (شباط)، ابلغ الرئيس بوش بهدوء رئيس اركان حلف الناتو اللورد روبرتسون انه بداية من شهر اغسطس (آب)، حينما كان من المفترض ان تغادر القوة الهولندية الالمانية افغانستان، ان الولايات المتحدة ترى ان يتولى الناتو بصورة دائمة مسؤوليات حفظ السلام والعمل بجانب قوات الولايات المتحدة. وفي حالة مصادقة الناتو على ذلك، فإنها ستكون المرة الاولى للحلف ان يعمل خارج اوروبا وفي قلب العالم الاسلامي.

فرنسا تناهض هذه الفكرة لانها تريد ان ترى «الناتو»، الذي يعتبر مرتكز القوات الامريكية في اوروبا، يبتعد عنها. لكن العديد من اعضاء «الناتو» الاساسيين يفضلون الفكرة، والاكثر اهتماماً هو ان الروس قالوا انهم سيفكرون في ارسال كتيبة عسكرية ايضا، في اطار مشاركة روسيا ـ الناتو. وحتى الصينيون يغمزون بموافقتهم. وكلتا هاتين القوتين العظميين تشعر بالتهديد المقبل وبالفوضى القادمة جزئيا من وسط آسيا والشرق الاوسط. ويقول مسؤولو الناتو انه إذا وقفت فرنسا في الطريق فإنهم سيتخطونها.

إن ما تفعله الولايات المتحدة في افغانستان هو «تدويل» عملية بناء الدولة هناك لأننا وجدنا ببساطة اننا لا نستطيع القيام بذلك وحدنا. وفي نهاية المطاف، سيكون علينا ان نفعل الامر نفسه في العراق. وهذا ما جاء رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ليقوله للرئيس جورج بوش في الاسبوع الماضي. لكن فريق بوش واصل يحاجج بأن هذا التحالف السخيف الذي لملم اطرافه على نحو اخرق لخوض الحرب ضد العراق هو تحالف يضم قوى عديدة وبالتالي فإنه معادل اخلاقيا للامم المتحدة. هذه حجة تفتقد الى الصواب. لقد اشترينا هذا التحالف عدا بريطانيا. وتقريبا، كل الحكومات التي يضمها هذا التحالف تعمل من دون ان تنال تأييد شعبها. إن خوض هذه الحرب من دون مشروعية دولية يعتبر امراً صعباً، لكن محاولة القيام ببناء دولة من دون ذلك يمكن ان يكون اصعب.

ومع ذلك، فإن فريق بوش مصيب في امر واحد. ان بناء الدولة في العراق لا يمكن القيام به بواسطة الامم المتحدة. انه امر لا يمكن عمله عن طريق لجنة. لذلك فإن ما نحتاجه في نهاية المطاف هو قوة سلام من دول عديدة وذات جدارة وما زالت تقودها الولايات المتحدة. وهذا يعيدنا مرة اخرى الى حلف الناتو، وربما لشراكة مع جيوش عربية واسلامية. وهذا لم يعد حلف «الناتو» الذي عرفه أجدادك، ذلك الذي كان يحرك دورياته على الحدود الالمانية ـ الروسية. أما هذا «الناتو» فإنه سيقوم بدورياته في كابل وبغداد.

وفي الوقت الذي يتغير فيه حلف «الناتو» ربما يصير هذا التغيير كاملا. فسيتقاعد رئيس اركان الناتو اللورد روبرتسون هذا العام (وهذا يعتبرا فقدا حقيقيا). والخليفة المفضل له إمرأة، هي وزيرة الدفاع النرويجية كرستين كروهن ديفولد. إذن، استعدوا لما يتصدر بالخط العريض خبر تلفاز (سي إن إن): «حلف الناتو: للمرة الاولى تقوده إمرأة ويضم كتيبة روسية، ويتولى عمليات حفظ السلام في افغانستان اليوم، كمقدمة لتولي مهمة حفظ السلام في العراق. فرنسا ترفض المشاركة».

نعم ربما نشهد نشوء عالم جديد للغاية. لا، أنا لم افقد كراتي الرخامية.

(فريدمان يقوم بانجاز فيلم وثائقي تحت عنوان «البحث عن جذور 11 سبتمبر» لـ«نيويورك تايمز» وقناة ديسكفوري. وسيعرض على قناة ديسكرفري ـ تايمز يوم 1 ابريل (نيسان) في الساعة الثامنة بالتوقيت الشرقي)...................