الحواسم

TT

تختار القيادة العراقية بعناية تعبيراتها اللغوية في الحرب الاعلامية المصاحبة للمعارك العسكرية، ولعل ابرزها وصف الحرب بأنها معركة الحواسم، وهو تعبير صحيح ينطبق بالفعل على ما يحدث، فاذا كانت الحرب في 1991 هي أم المعارك فانها ابقت الباب مفتوحا لكي يعيش النظام العراقي، لأن الهدف فيها كان متعلقا بتحرير الكويت فقط، بينما في الحرب الحالية فان الهدف هو الرأس نفسه، ولا توجد ابواب مفتوحة وليس هناك فرصة سوى لانتصار ارادة طرف على الاخر بالوسائل العسكرية.

لكن الحواسم هي من جانب قوات التحالف الغربي التي تدخل معركة تنهي ملفا مفتوحا منذ 12 عاما بينما بغداد التي تعرف بالتأكيد ان ميزان القوى ليس لصالحها هدفها هو الحاق اكبر قدر من الاذى بهذه القوات واطالة امد الحرب لأطول فترة ممكنة بما يدفع الرأي العام في هذه الدول الى الضغط على قياداتها السياسية للتراجع وسحب قواتها.

ومع مرور نحو 11 يوما على بدء الحرب بدأت تتضح بعض خيوط الصورة، فبينما لا يوجد من يشك في اين ستميل كفة الحسم العسكري في ضوء التفوق الساحق للقوات الاميركية والبريطانية، وحقيقة ان الآلة العسكرية العراقية استنزفت بعد 12 عاما من الحصار والخسائر التي منيت بها عام 1991، فضلا عن انها لا تقارن في افضل احوالها بما يملكه الخصم، فقد وضح ان الذين كانوا يتوقعون انهيارا سريعا بعد اطلاق اول طلقة ورؤية هذه القوات على الارض كانوا حالمين. كما كانت هناك حسابات خاطئة حول حدوث انتفاضات شعبية فور احساس الناس في العراق بأن هناك (قوة مخلصة) جاءت اليهم، وكان هناك ايضا تقدير غير صحيح لحجم المقاومة المتوقعة بني على اساس ما حدث في حرب الخليج ولم يراع اختلاف الظروف وميدان المعركة. ومثل اي حرب فان الجانب القبيح فيها بدأ يزعج الرأي العام مع المشاهد التلفزيونية للمدنيين القتلى والمصابين والمعاناة الانسانية التي تحدث عند الاحتكام للسلاح.

ومع كل ذلك، فان القناعات لم تتغير حول من سيكسب هذه الحرب عسكريا، فقد تتفاوت التقديرات حول مدتها وحجم خسائرها في الجانب الاميركي والبريطاني الا ان المسار الذي اخذته حتى الآن، على صعيد الخسائر المحدودة بين القوات الغازية وحجم المساحة التي سيطرت عليها يشيران بوضوح الى الكفة التي تميل اليها المعارك.

لكن الحقيقة التي قد يغيبها قليلا غبار المعارك هي ان الآلة العسكرية لا تستطيع ان تكسب الحرب نهائيا، لان معركة الحواسم الاساسية ستكون سياسية اذا تم اسقاط النظام الحالي عسكريا. وترتبط بالقدرة على انجاح ظهور نظام سياسي مقنع للعراقيين اولا ومقبول دوليا واقليميا، ويعطي الشعور بالاستقلالية ثانيا، لانه لو حدثت فوضى وفراغ يكون الجميع قد خسروا، المنتصرون والمهزومون عسكريا.