صدام وما بعد صدام

TT

بعد أن أعرب القارئ الفاضل زيد السرحان عن اعجابه بما اكتب، توقف مستغرباً ليسألني لماذا أؤيد دخول البريطانيين والأمريكان للعراق؟ وهو سؤال خطر للكثيرين.

يا سيدي انني لا أؤيد دخولهم للعراق فقط وانما للكثير من الدول الافرواسيوية التي غرقت في لجة من الدماء والشقاء والحروب الأهلية وآل مصيرها بيد حكام جهلاء ومستهترين وارهابيين ومعتوهين. بالنسبة للعراق هناك كثير من النفاق والانانية والمصلحة والمغالطة تكتنف موضوعه. شيراك الذي لا يؤمن بقدرة الشعوب المتخلفة على العيش بحرية وديمقراطية له مصالحه الشخصية مع صدام حسين ويطالب باعطاء المفتشين الدوليين ثلاثة أشهر اخرى، معه عدد آخر من الرؤساء. كلهم يعرفون ان امريكا لا تستطيع ابقاء ربع مليون جندي في الصحراء يشبعون طوز ورمل لثلاثة أشهر اخرى تنتهي في الصيف عندما تصبح الحرب غير ممكنة مناخياً. هذه صورة من صور الغش والمغالطات المصلحية.

لم التق او اسمع قط بأي شخص خارج السلطة لا يعترف بأن صدام حسين طاغية اذاق شعبه الموت والجوع والارهاب. التقيت بشخص واحد دافع عنه بهذا الشكل: لماذا انتم تلاحقون هذا الشخص وتسببون كل هذه المشاكل؟ انه الآن في الخامسة والستين. اعطه عشر سنوات اخرى ويموت ويتخلص الشعب منه بصورة طبيعية.

وكان الدفاع الوحيد الذي سمعته بأذني عنه، وهو دفاع معقول، سوى ان موته لا يحل المشكلة. لأن الحكم بعده سيؤول الى ولديه اللذين هما اسوأ منه.

الشيوعيون واللبراليون والسلاميون والقوميون واكثر العرب والمسلمين يتفقون بأنه طاغية يجب ازالته. ولكنهم يقولون هذا أمر يجب ان يترك للشعب العراقي نفسه. هذا غش ومغالطة اخرى. انهم يعرفون جيداً ان الشعب عاجز كلياً عن هذه المهمة، فقد انفق جل عوائد النفط على ضمان المحافظة على نفسه ووصل بالدفاع عن النفس اعلى مستوى من الفن. بذل العراقيون عدة محاولات لاغتياله وباءت كلها بالفشل المريع لاصحابها، وفقد الناس أي ايمان بقدرتهم على التخلص منه. والآن جاءت هاتان الدولتان العظمىان، امريكا وبريطانيا، بنحو ثلاثمائة الف جندي وبكامل ما عندهما من الاسلحة التقنية الرائعة ولم تستطيعا حتى الآن مسه بأي اذى. الاعتقاد بأن هذا الشعب المخصي والمغلوب على أمره سيستطيع الوثوب واسقاط هذا النظام غش وتهرب وجبن وعدم اكتراث تجاه معاناة الشعب وسلام المنطقة.

اذا كنت يا اخي زيد السرحان تؤمن بأن هذا نظام ظالم وسيئ فيجب ان تشاركني في ايماني بضرورة تغييره. واذا كنت تؤمن بضرورة تغييره فيجب ان تؤمن كما أؤمن بعدم امكانية ذلك بدون قوى خارجية.

يواجه العراقيون الآن مسؤولية خطيرة في دفاعهم عن هذا النظام. إذا نجحوا واعطوه النصر فلن يقف أي أحد لنزوات صدام في اذاقة الويلات لشعبه. وسلام المنطقة سيتعفرت بشكل لا يتصوره الخيال. وعندئذ تضطر القلة الباقية من الموهوبين والمؤهلين الى اللحاق بالاربعة ملايين الذين غامروا بحياتهم للهروب من نظامه. لن يبقى غير العاجزين والمتخلفين، يتزاوجون فيما بينهم ليعطونا اجيالاً من العاجزين والمتخلفين والأغبياء.

اذا فشلوا في دفاعهم عنه فسيواجهون عداوة وكرهاً واحتقاراً من قوى التحالف. سعى النظام الى تجريد الشعب كلياً بعد زواله، ليس بحرق آبار النفط وتدمير بنية البلاد فقط، بل ايضاً بتسميم العلاقة بين الشعب ودول التحالف بارغام العراقيين على استعمال اساليب قتالية ذميمة، استعمال المستشفيات والمساجد والمسكن كنقاط عسكرية للحرب، وضع المعدات الحربية في الاحياء السكنية، مزج العساكر بالمدنيين، التمويه بالعلم الابيض. سيضطر الامريكان الى ضرب هذه الاماكن وهؤلاء المدنيين. ينقلب من جاءوا كمحررين الى وحوش قتلة ويفقد المحررون الحماس لرسالتهم. تتعكر عملية اعادة البناء ويخرب مستقبل العراق، وهو ما يريده صدام لما بعد صدام.