نموذج أميركي في العراق؟ لم لا.. تفاءلوا خيرا!

TT

بداية، اقول انني من المتابعين لمقالات الدكتور خالص جلبي في «الشرق الأوسط»، وبعد قراءة مقاله المنشور في عدد الاربعاء 26 مارس (آذار) الماضي حول ما يجري في العراق، وجدت ان عندي ما اقوله في الموضوع نفسه. انني من اكثر الناس تفاؤلا بقدوم اميركا الى العراق، وعندي اسباب عديدة، اولها ان اميركا لم تدخل بلدا الا وحسنت من اوضاعه. فهي دخلت اليابان وكوريا وألمانيا وغيرها من البلدان، والنتيجة ان هذه الدول اصبحت من الدول المتقدمة في الاقتصاد والعلم. اميركا دفعت من جيبها اكثر من 12 مليار دولار لدول اوروبا خلال مشروع مارشال لتنهض صناعيا بالدول المهزومة، وفي مقدمتها ألمانيا، بالاضافة الى عشرين مليار دولار كديون ميسرة بعيدة المدى، وكل متابع يعرف ما قيمة هذه المليارات في ذلك الزمن، فهي تمثل اثنين ونصفا من الدخل القومي في ذلك الوقت، وكانت نتيجة ذلك ما حدث في اوروبا، وكلنا رأينا وقارنا بين ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية اللتين لم يكن يفصل بينهما إلا جدار. فقد تقدمت الثانية بشكل هائل بفضل الوجود والدعم الأميركي، وبقيت الاولى ترزح تحت التخلف الماركسي الشيوعي الى عام 1990، وهو ما شهدناه ايضا في كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، فقد خاضت اميركا حربا من اجل كوريا الجنوبية دفعت فيها ارواح الاميركيين، واليوم نرى الفرق بين الاولى والثانية ونرى كيف ان اهل الشمال يعرضون انفسهم للموت من اجل القفز الى الطرف الجنوبي من فوق سور حديدي. ولعلنا يجب ألا نذهب بعيدا، فقد ساهمت اميركا مع اوروبا في انقاذ المسلمين من عذابهم الذي عانوه مع الصرب في البوسنة، ثم في كوسوفو، ولم يتوقفوا عند سقوط حكم سلوبودان ميلوسوفتش بل طالبوا بمحاكمته وقد ضغطوا على الحكومة الصربية بكل ما يستطيعون من اجل ذلك، وها هو يحاكم فعلا.

ربما ان كلامي هذا لا يعجب كثيرين من العاطفيين العرب الذين اعتادوا الانقياد بعواطفهم وتركوا العقل جانبا، لأنهم عاشوا سنين تحت رحمة السجان فأصبح هو كل شي في حياتهم بل انهم لا يستطيعون العيش من دونه. وبالمناسبة هناك قصة متداولة عندنا في نجد تقول ان رجلا طيبا كان عنده شخص يقوم على خدمته، وكان الخادم لا يجد ما يقوله عرفانا لسيده الا ان يردد امامه «إني اسأل رب العالمين ان يجعلني خادمك في الجنة». ان هذه الغوغائية التي نراها في الفضائيات العربية هي تمثيل حي لهذه القصة، فها نحن نرى حتى من العراقيين من لا يزال يمجد الطاغية صدام حسين ويأبى إلا ان يكون راكعا تحت قدميه!

لماذا انا متفائل بأميركا؟ الجواب بسيط، وهو ان الاميركيين حاربوا من اجل الحرية، وبلادهم لم تقم الا على الحرية ونبذ المستعمر المستبد، وهم اكثر الشعوب تنوعا في العرق والدين، وهما العنصران اللذان تعاملت معهما اميركا بكل حكمة لانهما ـ في الغالب وعلى مر التاريخ ـ اساس الحروب والقتال بين الناس، واميركا تحارب العنصرية لانها عانت منه، وهي اكثر البلاد تقبلا لجميع الاديان، وهي البلد الذي يهاجر الناس اليه ليعيشوا حياة افضل. اميركا قامت على مبادئ اساسية كتبها اجدادهم الاوائل وجعلوها اساسا لقيام دولتهم، والاميركيون يحفظونها عن ظهر قلب ولا يمكن ان يتخلوا عنها. كلامي هذا لا يعني ان اميركا خالية من العيوب، فالحياة الدنيا لا توجد فيها مدينة فاضلة الا في عقول الفلاسفة، ولكني اعتقد ان النظام الاميركي من افضل الانظمة في الوقت الحاضر من نواح عدة اهمها احترام الانسان.

واحب ان اذكر هنا ان اميركا، التي يكرهها العرب، لم يرض الملك عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ان يجتمع مع رئيسها روزفلت الا عندما تأكد انها دولة تؤمن بالله وانها غير استعمارية. ولك ان تفكر ماذا يعني هذان الامران اللذان اراد الملك عبد العزيز التأكد منهما. انهما يعنيان اشياء كثيرة. ان اميركا يحكمها اناس لا يرضون الظلم. واميركا عندما اتت الى الجزيرة العربية للتنقيب عن النفط قبل خمسين عاما لم تأت غازية او مستعمرة، بل جاءت شريكا بالرغم من اننا لم نكن في مستوى قوتها الاقتصادية، وعندما طلبت منها السعودية الخروج من الصناعة النفطية خرجوا وسلمونا نفطنا بنسبة مائة في المائة ومن دون مماطلة او تأخير. هذه حقائق لا بد لنا ان نعترف بها ونترك الغوغائية العربية. وما زلت اقول وأحمد الله ان من ادار نفطنا هم الاميركان بدلا من الانجليز، وكان هذا من حسن حظنا.

واعود الى الحرب القائمة لأقول ان ما نراه انما هو نتيجة لما قام ويقوم به طاغية العراق، ويجب الاعتراف ان كل حرب لها ضحايا، ولكن ان نخسر ضحايا بالعشرات على يد اميركا ونعيش احرارا خير لنا من ان نخسر ضحايا بالملايين على يد صدام حسين ونبقى رهائن عنده. لقد خسر العراق اكثر من مليوني انسان في حروب صدام الطائشة، وهجر العراق اكثر من اربعة ملايين معظمهم من اصحاب الكفاءات الذين تشردوا في بلاد العالم. الآن يقول كثيرون ان اميركا اتت للنفط. ولم لا، ليكن ذلك، فماذا فعل العرب بالنفط؟ الاجابة لا شيء سوى الانفاق على ترف المتسلطين، كصدام حسين وامثاله الذين لم يكن النفط الا وبالا على شعوبهم. فصدام انفق كل شيء على السلاح والتسلح والدخول الغبي في حروب خاسرة. نعم، فلتأتي اميركا للنفط، أليست هي من يشتريه وهي اكبر مستهلك له؟ ثم ان تأخذ اميركا نصف نفط العراق أفضل من ان يأخذ صدام النفط كله ويحرم شعبه منه. لقد رأينا كيف عانى شعب العراق، وهي اغنى دولة في العالم العربي من الفقر والجوع.

اني متفائل جدا لان هذه الحرب سوف تكون صدمة للعرب المخدرين والمدجنين، وسوف تكون جرس انذار للمتسلطين من الحكام. هل من الضروري ان نعيش

خمسين عاما اخرى او اكثر على هذا الوضع المخزي للعرب؟ كلا، بل اننا حقا نحتاج من يوقظنا من سباتنا ويساعدنا في ان نمحو التخلف والجهل الذي يتسلط على اكثر من 60 مليون عربي.

وفي الحقيقة ان اميركا لم تأت الينا عبثا، بل هي لم تأت الا بعد ان طرق نفر منا بابها مخربين، إذ خرج تسعة عشر عربيا ليعبثوا في مقدرات الاميركيين ويقتلوا ابناءهم. انني واثق ان اميركا ستلعب في منطقتنا دور المعلم الحازم الذي يريد النجاح لتلاميذه، حتى لو تطلب ذلك درسا قاسيا. ان العالم العربي لن يتغير من تلقاء نفسه، لذلك اقول اهلا بالنموذج الأميركي الحر، وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.