كتاب الأوهام!

TT

هل الذائقة الأدبية في أميركا تختلف كثيراً عن مثيلتها في أوروبا؟.. هذا التساؤل أثارته الأعمال الروائية التي صدرت للروائي الأميركي بول أوستر وتحظى بشهرة واسعة في أوروبا أكثر من أميركا، حتى أن الكثيرين في الحقل الأدبي في فرنسا يرونه أكثر الروائيين الأميركيين أوروبية بسبب نزوعه الدائم إلى تحليل النفس الإنسانية وما تتعرض له في عالم اليوم من احباطات وخوف وفزع وقلق.

كراهية بول أوستر للأضواء جعلت من الصعوبة على وسائل الإعلام اختراق الحاجز المنيع الذي اقامه حول حياته الشخصية إلى درجة أن نقاد الأدب كانوا يعتقدون أن رواياته هي في حقيقتها تجارب شخصية مر بها في حياته بسبب براعته الشديدة في تصوير أدق تفاصيل الحياة الداخلية للنفس الإنسانية والصراعات المحتدمة داخلها.. وربما كان الغموض الذي يكتنف حياته الشخصية قد ساعد على تزايد شهرته كروائي.

ومؤخراً صدرت أحدث رواية لبول أوستر بعنوان (كتاب الاوهام) وهي الرواية التي أثارت حولها الكثير من الجدل في الأوساط الأدبية. وتدور أحداث الرواية حول (ديفيد نمير) المشتغل بالأدب والذي يتعرض لحالة نفسية شديدة إثر وفاة زوجته وأولاده في حادث تحطم طائرة.. وفي الرواية تكثيف لحالة الحزن والرثاء التي يعيشها بطل الرواية الذي ظل طوال صفحاتها يلوم نفسه على السماح لزوجته وأولاده بالسفر بالطائرة وعلى عدم السفر معهم خاصة أنه لا يستطيع العيش بدونهم.

يعتقد النقاد أن حالة الحزن التي خيمت على الصفحات الأولى من الرواية ربما كانت حيلة منه لكي يدخل قارئه مباشرة في تفاصيل نفس جريحة. وقد أرجع النقاد الروح المتسامحة التي تتخلل الرواية إلى الحياة التي عاشها الكاتب بول أوستر حيث عانى في شبابه من الظلم والافتراء ونجم عن ذلك حساسية مفرطة في ردود فعله حيث كان يبكي طويلاً أمام مشاعر الحب والكرم والتضحية وعند استماعه لموسيقى مؤثرة وحالمة وحتى عند مشاهدته لرقصة باليه رقيقة.

لكن على الرغم من تشاؤم آرائه في الحياة والناس فإن لبول أوستر قصة حب رائعة تتخللها مشاعر رقيقة مع زوجته الكاتبة سيري هوستفرت التي بدونها كما يؤكد بول أوستر ما كان له وجود في عالم الأدب.

في حديث قصير له مع أحد النقاد أشار بول أوستر إلى أنه يعيش فترات من الشك القاتل لكن مع قليل من الثقة، وأن كل ما يبهجه في الحياة هو حريته الشخصية التي في مقابل الحصول عليها والشعور بها يمكنه أن يضحي بأشياء كثيرة.