السبيل الجاري للحصول على الانتحاري

TT

هذا آخر ما كنت اتوقعه في حياتي، ان اسمع عن عراقي ينتحر من اجل حكومته، ولكن هذا ما جرى السبت الماضي. وبعد تكرر ظاهرة الانتحار كما يسميها البعض او الاستشهاد كما يسميها آخرون، في شتى ربوع افرو آسيا من اندونيسيا الى العراق وتركيا ففلسطين، توقفت لأفكر بهذا الموضوع، لماذا ينتحر اي انسان من اجل حكومته او وطنه او مبدئه؟ وطالما اصبحت الظاهرة موضة عالمية، ونظرا لاعتباري كاتبا حريصا على خدمة امته، فكيف يمكننا الحصول على انتحاريين حسب الطلب. فكرت بالامر مليا ورأيت ان القاعدة الاساسية التي تضمن الحصول على هذا الهدف هي ان نزيل الفرق عند المواطن بين الحياة والموت بحيث تصبح الحياة عنده لا تستحق الحياة فعلا. هذه هي القاعدة العامة، والآن ما هي التفاصيل والسبل التي تضمن الوصول الى هذه الحالة بحيث يرى المواطن ان موته ربما احسن من حياته وانه لن يخسر اي شيء او يفوته اي شيء اذا مات.

نستطيع ان نلمس ذلك عند مقارنة انفسنا بالشعوب الحرة والسعيدة والغنية، فلا يوجد بين الغربيين احد مستعد للانتحار من اجل بلده او رئيسه او فكرته او ديانته. ينتحرون من اجل الحب او الفلوس او الفشل في الدراسة او العمل او للحصول على قيمة بوليصة التأمين على الحياة. لم اسمع عن احد ينتحر من اجل وطنه. هذا شيء نحن فقط نعمله.

والآن كيف ننمي هذه الروح الانتحارية؟

اولا، عليكم بالكبت الجنسي. اجعلوا الزواج في غاية الصعوبة وارفعوا مبالغ المهور الى اعلى ما يمكن. وبعين الوقت احرموا الشباب من اي فرصة لتبادل الغرام. حرموا عليهم حتى رؤية المرأة.

ثانيا، الجوع. هذا منهج طبق في العراق واعطى نتائج باهرة جدا في استرخاص الحياة، لا سيما عندما يرى المرء اولاده يتضورون جوعا.

ثالثا، قد يتعود الجمهور على الجوع والحاجة بعد بضعة اعوام فيتصور انه حالة طبيعية. ينبغي تصحيح ذلك وتفادي هذا التصور باغراق المخازن الارستقراطية بشتى المأكولات النادرة والبضائع النفيسة التي لا يستطيع المواطن العادي شراءها مع علمه بوجودها.

رابعا، تشجيع البطالة بحيث يمل الانسان من الحياة وتعطيه ما يكفي من الوقت للتفكير بان الموت ربما يفضل عليها فيسائل نفسه لماذا اعيش؟

خامسا، زعزعة الاستقرار باصدار قوانين وانظمة جديدة معقدة ثم تغييرها من يوم الى يوم بحيث تشوش ذهن المواطن وتصيبه بدوخة مزمنة ويصعب عليه تبين اي شيء في الحياة.

سادسا، اشاعة الرعب في البلاد باسم الوطنية والدين، ارغام الجمهور على زيارة المقابر اسبوعيا وفي الاعياد والمناسبات الوطنية.

سابعا، الاستفادة من وسائل الاعلام المتطورة، خاصة التلفزة وما وراءها من نرفزة، يكون ذلك باذاعة خطب الرئيس والمسؤولين مرارا وتكرارا دون ما شيء يقطعها غير الاستعراضات العسكرية وقصائد المديح والتعظيم. هذا موضوع يتطلب المثابرة حتى يصاب المواطن بصداع مزمن ويفقد الرغبة في البقاء حيا.

ثامنا، اجبار الناس على تعلم قواعد اللغة العربية وعلم النحو ومحاسبتهم عن اي خطأ فيها.

تاسعا، حث الناس على التوفير ثم مصادرة ما يوفرون وتشجيع الاستثمار ثم تأميم الصناعات المستثمرة.

عاشرا، منع الجمهور من السفر واعتبار كل مسافر خائنا للوطن.

باتباع مثل هذه الارشادات سيمكن الوصول الى تلك الحالة المطلوبة التي لا يصبح للحياة معها، اي معنى ويكون موت المواطن وحياته سواء. ولكن كثيرا ممن يصلون هذه المرحلة تراهم ينهون حياتهم بالرصاص او شرب السم او القاء انفسهم في النهر ونحو ذلك من العمليات العديمة المعنى. هذا تبديد للثروة الانتحارية للبلاد. المطلوب هنا توجيهها للاغراض الاستراتيجية كالدفاع عن الحاكم وذويه. يتطلب هذا اقناع الشخص بان سبب العلقة الموجعة التي تلقاها من جيرانه لغرامه بابنتهم يعود الى الاستعمار وان الرشوة التي طلبها منه ضابط التجنيد ستذهب للعدو الصهيوني، واذا طالبه الطبيب بأجرة لادخاله للمستشفى فذلك يعود لتدريبه في مستشفيات بوسطن الرأسمالية. ما ان يتم اقناع الزهقانين من حياتهم بذلك حتى تراهم يشدون احزمة الانتحار على بطونهم ويذهبون ويفجرون انفسهم بجانب اي راهبة او سائحة امريكية يجدونها في طريقهم.