معركة بغداد بعد أسبوعين.. أو حرب تطول حتى الخريف

TT

كل النفي والثناء المتبادل بين وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد، وقائد القيادة المركزية الجنرال تومي فرانكس، لم يمنع من استمرار الانتقادات وتوجيه اصابع الاتهام الى رامسفيلد بالذات حول ما واجهته الخطة العسكرية لقلب النظام العراقي. فمن المؤكد، اميركيا، انهم بدأوا الحرب قبل الوقت الذي كان محددا لها، عندما حاولوا اغتيال صدام حسين، الرئيس العراقي، ومن ثم اضطروا الى الدخول مباشرة في الحرب في وقت كانت الخطة الاساسية تقتضي البدء بها بعد يومين تقريبا، مما يعني ان الحرب بدأت باستعجال، ومن ثم جاءت العواصف الرملية. لكن كما يقول البروفسور بول روجرز مدير دراسات السلام في جامعة برادفورد، والخبير في الشؤون الامنية الدولية، ان المشكلة الحقيقية التي واجهها الاميركيون كانت نسبة المقاومة التي أبدتها القوات العراقية والفشل في تحقيق اي انتفاضة ضد نظام صدام حسين. وهذا معناه انه كانت لدى التحالف قوات قليلة العدد نسبيا لتحقيق الهدف الابعد.

ويبدو ان الاميركيين افترضوا بروز مقاومة اقل، وانه لا حاجة لنشر قوات اكثر لحماية خطوط الامدادات، واعتقدوا فعلا ان الشعب العراقي سيرحب بهم، وحسب البروفسور روجرز فان المخططين اعتقدوا انه سيتم احتلال مدينة البصرة بعد يومين من بدء الحرب، وحتى الآن لم يحصل هذا، ما يعني انهم قللوا كثيرا من استعدادات وترتيبات النظام العراقي وبالغوا في تقييمهم للمعارضة الداخلية وبالذات في جنوب ـ شرق العراق حيث الكثافة الشيعية، فالسكان شككوا في الدوافع الاميركية.. خصوصا انهم لم ينسوا تخلي بوش الاب عنهم، عندما نفذوا طلبه عام 1991 بالانتفاضة.

بالنسبة الى الموقف التركي يرى البروفسور روجرز ان الرأي العام بأغلبيته عارض الحرب، وعكس النواب المنتخبون حديثا هذا الواقع، انما يبقى الامر غريبا لان واشنطن كانت مستعدة ان تقدم مبالغ نقدية طائلة بالمقابل.

قد تكون الادارة الاميركية اعتبرت انها لن تواجه اي مشاكل تذكر، وذلك عكس الحذر الذي ابداه العسكريون الاميركيون، وكما يقول روجرز ان الاميركيين لم يتوقعوا المعارضة في مجلس الامن خصوصا ان قوات الدول الست في المجلس ضدهم، من هنا كانت سلسلة المفاجآت التي واجهتها الادارة. واستبعد البروفسور روجرز ان تصغي الادارة الاميركية الآن، فهي اذا تراجعت فسوف يعني ذلك كارثة سياسية، ولا يمكن بالتالي وقف الحرب، بل سوف تصر الادارة على موقفها مع ادراكها بأن الحرب قد تطول لفترة وقد يؤدي ذلك الى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.

قد يعني هذا ان واشنطن لن تستطيع كسب السلام لاحقا، خصوصا، كما يقول البروفسور روجرز، «اننا في وضع يمكن لهذه الحرب ان تسبب عدم استقرار يستمر لسنوات عديدة».

ويرى ان هذا يشكل خطرا على اسرائيل ايضا، لانها ستكون وسط منطقة متفجرة!

الاعتقاد الآن، ان يحاول الاميركيون شن معركة بغداد في الاسبوعين المقبلين بالقوات الموجودة، عن طريق اللجوء الى الغارات الجوية الكثيفة، لكن اذا فعلوا ذلك فسيسقط عدد كبير من الضحايا، ولهذا قد يختارون الانتظار ثلاثة او اربعة اسابيع اخرى حتى وصول قوات اضافية، عندها قد يصبح الخطر ان تطول الحرب حتى ايار (مايو) حيث ترتفع الحرارة الجوية كثيرا، مما يضطرهم الى التوقف لفترة بحيث تستأنف الحرب في الخريف المقبل، وينتظرون اثناءها وصول امدادات اكثر وربما لن يحاولوا شن هجوم على بغداد الا في تشرين الاول (اكتوبر)، فتفقد الحرب زخمها.

وماذا عن صدام حسين؟ يقول البرفسور روجرز قد يبقى في الحكم حتى الخريف المقبل، وهناك احتمال ان تنجح احدى الغارات في قتله، لكن السؤال الحقيقي هو: هل انه في حال مقتله، ستتوقف المقاومة العراقية؟ اذ رغم ان النظام مكروه جدا من قبل الشعب العراقي فان الاخير غير مستعد لقبول قوة غازية. لكن، اسأل البروفسور روجرز، هل يعني هذا ان الاميركيين ينوون حكم العراق؟ يجيب: لا اعرف اذا كانوا سيحكمون العراق لمدة طويلة انما هم مستعدون لاحتلال عسكري يتراوح ما بين سنة و18 شهرا، ويفضلون ايصال نظام حليف لهم في بغداد، ويرغبون في اقامة ثلاث قواعد عسكرية كبرى في الشمال ووسط وجنوب البلاد لضمان امن الامدادات النفطية. ولم يكن الاميركيون مستعدين لتوقيع مثل هذه الصفقة مع صدام حسين، اذ يعتبرون نظامه معاديا ويطور اسلحة كيماوية وبيولوجية قد تردعهم لاحقا عن القيام بعمليات يشعرون انها ضرورية.

ولا يتوقع البروفسور روجرز ان يستعمل صدام حسين اسلحة كيماوية اذا طالت الاستعدادات الاميركية لمعركة بغداد، بل سيلجأ الىها في آخر مرحلة عندما يواجه نظامه المعركة الاخيرة في بغداد، فهو لا يحتاج الى استعمال الاسلحة الكيماوية الآن كما انه لا يجد داعيا لاشعال آبار النفط، لانه حتى الآن، لا يعتبر نفسه انه الجهة الخاسرة في الحرب!

وبالنسبة الى طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني، فلا يُعتقد ان نفوذه فعال في واشنطن، وهو في حالة قلق، فاذا انتهت الحرب بسرعة فقد يحافظ على موقعه، انما اذا استمرت حتى الخريف فان بلير سيكون في مصاف الخاسرين.

لكن، هل يعتقد البروفسور روجرز حقيقة ان الحرب قد تستمر حتى فصل الخريف؟ انه يميل الى ذلك رغم عدم تأكده، وعندها قد تترك آثارا سلبية قد تستمر ما بين 20 و30 سنة.

اما عن الانذارات الاميركية المتلاحقة الموجهة ضد ايران وسورية، فيعتقد روجرز، ان القلق الاميركي ليس من تدخل سوري او ايراني، انما ان يعمد البلدان الى مساعدة النظام بطريقة ما، لان ايران وُضعت في خانة «محور الشر»، ولا يشعر الايرانيون باطمئنان من احتمال السيطرة الاميركية على العراق، إذ تصبح ايران اكثر عرضة، اما السوريون فقلقهم اعمق من نتائج الحرب، اذ ان تركيا على حدودهم الشمالية، وعراق ـ اميركي المنحى شرقا، واسرائيل جنوبا، ولن يقدم السوريون دعما مباشرا الى النظام العراقي، انما قد تتسرب مساعدات بطريقة غير رسمية، وهذا ما يقلق الاميركيين.

واسأل البروفسور روجرز عما اذا كان الاميركيون يحتاجون الى المزيد من الاعداء في الشرق الاوسط، ويرى انهم لا يدركون ذلك، ويضيف، ان هناك احتمالا آخر وهو ان يفتح حزب الله في جنوب لبنان جبهة جديدة باستعماله القذائف الجديدة الطويلة المدى التي لديه وتصل حتى مدينة حيفا، «ان هذا لم يحدث الآن، غير ان لدى حزب الله عددا ضخما من هذه القذائف وقد يختار في احدى المراحل ان يفتح جبهة، فاذا فعل، عندها ستتدخل حكومة ارييل شارون في جنوب لبنان بشكل عسكري كبير».. ويأسف البروفسور روجرز لسرده هذه الصورة القاتمة، «انما هذا هو الوضع اذا تطور».

وكانت كوريا الشمالية في نهاية الاسبوع الماضي اكدت انها ستعيد استئناف برنامجها النووي بأسرع ما كانت تخطط، حتى لا تتعرض الى ما يتعرض له العراق، ويؤكد البروفسور روجرز ان هذا هو موقف كوريا الشمالية، ويضيف، ان الموقف نفسه قد ينسحب على ايران، اذ تعتقد طهران انه كلما اسرعت في تطوير سلاحها الرادع، فان هذا افضل لها، وقد لا تكون في طور انتاج اسلحة نووية انما اسلحة كيماوية وبيولوجية، «فمن وجهة نظر ايران، يتحتم عليها الاسراع في هذا البرنامج لاعتقادها بان الولايات المتحدة قد تختار النظام الايراني كعدو محتمل، بعدما تنتهي من العراق»!