أوجه شبه بين رئيسين

TT

بين الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش والرئيس الخامس والعشرين للولايات المتحدة ويليام ماكينلي ( 1843 ـ 1901)، أكثر من وجه شبه. فكلاهما جمهوري، كما ان لكليهما باع طويل في القدرة على جمع التبرعات لنشاطه السياسي واستناده الى طبقة من رجال الأعمال المساندين. ومثلما عرف بوش الابن أنه اكثر رئيس تمكن من جمع تبرعات مساندة للحملات الانتخابية لمرشحي الحزب، الأمر الذي مكن الجمهوريين من السيطرة على البيت البيض والجهاز التشريعي لأول مرة منذ نصف قرن من الزمان، فان ماكينلي نجح في جمع ثلاثة ملايين دولار ابان حملته الانتخابية، في الوقت الذي لم يتمكن فيه منافسه الديمقراطي وليام برايان من جمع أكثر من 600 ألف دولار.

من الناحية الأخرى فان كلا من بوش وماكينلي دخل الى المكتب البيضاوي وليس له كبير اهتمام بالسياسة الخارجية وليجد بعد فترة ان الظروف فرضت عليه أن تصبح الشؤون الخارجية محور اهتمامه. ففترة حكم ماكينلي تزامنت مع بداية بزوغ القوة الأمريكية مطلع القرن الماضي، في الوقت الذي تسنم فيه بوش السلطة مع تفرد واشنطن بقيادة العالم بعد التفكيك السلمي لقوة الاتحاد السوفياتي، كما استمتع الاثنان بشعبية عالية وأغلبية في الكونجرس.

ماكينلي لم يعش طويلا بعد انتخابه لدورة رئاسية ثانية، اذ تم اغتياله ليخلفه نائبه ثيودور روزفلت، الذي امضي ثماني سنوات في البيت الأبيض وحتى العام 1909، وهي الفترة التي نجح فيها في حسم الجدال في أروقة السلطة حول الدور الذي تتهيأ للعبه الولايات المتحدة وهل تصبح امبراطورية أخرى مثلها مثل بقية الامبراطوريات التي غربت عنها الشمس كالأسبانية والبرتغالية أو تلك التي لا تزال نشطة مثل البريطانية والفرنسية. روزفلت كان حاسما لجهة التوقف قليلا بعد استكمال التمدد الأمريكي في آسيا وأمريكا اللاتينية وذلك خوفا من ان المزيد من الانتشار الأمريكي في القارة الآسيوية قد يضع الامبراطورية الجديدة في مواجهة مع السكان والعقائد، وما يمكن أن يطلق عليه بتعبير اليوم صدام الحضارات.

هذا التأني من قبل روزفلت أسهم في بناء صورة ايجابية للعلم الأمريكي حول العالم خاصة وقد تزامن مع الدور الذي لعبته واشنطن في القضاء على الامبراطوريات القديمة، وساعد على ذلك بروز قيادات أمثال وودرو ويلسون ابان فترة الحرب العالمية الأولى ومبادئه حول تقرير المصير لشعوب المستعمرات السابقة، الأمر الذي ساعد على تعزيز الصورة الايجابية عن الولايات المتحدة حول العالم، كما فتح الباب أمام الهيمنة الأمريكية في ذروتها التي أطلقتها فترات رئاسات روزفلت الآخر، فرانكلين، الثلاث، الذي تمكن خلال فترة حكمه بين عامي 1933 ـ 1945 من التعامل الفعال مع الكساد الاقتصادي الكبير في الداخل، فدفع الولايات المتحدة الى انقاذ قارة أوروبا العجوز من براثن النازية والفاشية، ومن ثم فتح المجال أمام تصفية الأمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، رغم انه وهو المشلول وصاحب الدور الأكبر في النصر الذي تحقق اجتهد في التحرك والوصول الى بقية الزعماء في العالم في مناطقهم للتفاهم معهم حول الترتيبات لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

بوش الابن، ورث النصر في الحرب الباردة عن والده، الأمر الذي أعطى الولايات المتحدة تفردا في القوة والمنعة لم تشهده في سعيها لبناء حلمها الامبراطوري خلال القرن الماضي. وتبدو المفارقة انه في الوقت الذي تتكامل فيه عناصر القوة الأمريكية بعد استقرار فترة الفوران التي صاحبت انهيار المعسكر الشرقي ونجاح بوش الأب في تخليص الولايات المتحدة من عقدتها العسكرية في فيتنام ابان حرب الخليج الثانية لأخراج العراق من الكويت في العام 1991، فان حرب بوش الابن تثير بداياتها مقارنات في وسائل الاعلام غير مريحة للادارة الأمريكية مع ما كان يجري ابان رئاسة ليندون جونسون ووزير دفاعه روبرت ماكنمارا، الذي كان يصر على أن الأمور تسير سيرا حسنا ومثلما هو مخطط لها، وهو ما يعتبر تجاوزا للواقع بسبب العنجهية كما لاحظ ريتشارد كوهين في عمود له في «واشنطن بوست» تعليقا على سير الحرب، مضيفا انه يرى ضوءا في آخر النفق، لكن ذلك النفق يبدو طويلا جدا.

«النيويورك تايمز» تناولت في افتتاحية لها ـ أول أمس ـ حادثة مقتل المدنيين العراقيين السبعة من النساء والأطفال متخوفة أن يؤدي مثل هذا الحادث الى خسارة الحرب السياسية المتوقعة حتى قبل كسب المعركة العسكرية، وهو الرأي الذي بدأت ترتفع به بعض أصوات الديمقراطيين أمثال ريتشارد هولبروك مندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة ابان فترة رئاسة بيل كلينتون.

وحتى تصميم بوش على مواصلة الحرب حتى السيطرة على بغداد، اصبح مثار تنكيت من قبل الفكاهيين أمثال جاي لينو، الذي قال ان بوش سيستمر في الحرب مثلما استمر في المدرسة، التي لم يكن مبرزا فيها. ماكينلي الذي شهد عهده بداية التوسع الأمريكي في آسيا والمحيط الباسفيكي كان مواجها بضرورة اتخاذ قرار فيما ينبغي فعله مع البلدان التي أصبحت تحت السيطرة الأمريكية ـ خاصة الفلبين. ومنطلقا من مشاعر مسيحية خالصة، توصل الرجل الى ان هذا العبء يمثل تكليفا من السماء على الولايات المتحدة النهوض به، وذلك بدلا من اعادتها الى الملك السابق وهو اسبانيا، أو لقوة أوروبية أخرى منافسة أو تركها للسكان المحليين.

وهذا يماثل ما يجري اليوم لجهة كيفية التصرف في مرحلة ما بعد ازالة النظام العراقي وهل يكون للأمم المتحدة دور أكبر أو للمعارضة العراقية، أم بان يكون القدح المعلى للأمريكيين كما ينادي وزير الدفاع دونالد رمسفيلد ومجموعته الذين يريدون أن يصبح العراق مختبرا لتصدير الأفكار الديمقراطية والتسامح الى منطقة الشرق الأوسط ومن ثم تجفيف منابع الارهاب والعداء للولايات المتحدة.

في العصر الذي عاش فيه ماكينلي في مطلع القرن الماضي، كان من الممكن والمقبول الادعاء بالتصرف تحت تأثير الوحي السماوي، لكن والعالم يعيش ثورة الاتصالات وبروز الرأي العام المحلي والدولي عنصرا في اتخاذ القرار، فان الخطوط أصبحت متقاطعة، وهل ما سيعرض بوش الى قطع الرأي حول ما ينبغي فعله في العراق، وهو الوضع الذي وجد ماكينلي نفسه فيه من قبل، وهو يواجه الوضع في الفلبين.

منتقدو ماكينلي كانوا يقولون عنه ان القاسم المشترك بين عقله وسريره هو الحاجة الى ترتيبهما قبل استعمالهما، وهو ما يصح أيضا على بوش الى حد كبير. ويبقى أنتظار اذا كان تدهور الأوضاع في الفلبين الذي عانى منه ماكينلي سيماثله انشغال بوش بما يجري في العراق.