حكاية القملة والبرغوث!

TT

يقول العرب: يكفيك من شر سماعه.. وتترجم إلى العامية فيقولون: أبعد عن الشر وغنِ له.. والمثل العربي يقصد أن السماع عن الشر خير من ممارسته.. أو الاشتراك فيه.. أو الاقتراب منه.. أما المثل العامي فيتجاوز هذا المعنى إلى أن نبسط الأشرار من بعيد لبعيد بالغناء لهم.

ويقولون أيضاً الشر بره وبعيد.. أي ليبعد الله عنا الشر فلا يصيبنا.. فالقرب من الشر والأشرار قد يصيبنا الضر منه أو منهم.. فالشر حق.. والشرير لا يأتي من ورائه خير ومن الأفضل البعد عنه.

وفي (كليلة ودمنة) تحت عنوان (مثل القملة والبرغوث).. أن قملة لزمت فراش رجل من الأغنياء دهرا، فكانت تصيب من دمه وهو نائم لا يشعر.. ثم زارها برغوث فاستضافته قائلة: بت عندنا في دم طيب وفراش لين.. فقبل البرغوث وأقام عندها حتى إذا أوى الرجل إلى فراشه وثب البرغوث فلدغه لدغة اطارت النوم من عينيه فقام الرجل وطلب خدمه وأمرهم بالبحث عن الفاعل الأثيم الذي ايقظه من نومه.. وبحث الخدم فلم يجدوا إلا القملة فأخذت وقصعت (قتلت بالظفر).. وفر البرغوث باحثاً عن مأوى آخر وقملة ساذجة أخرى.

ويقول (دمنة) للأسد مستخرجاً الحكمة من الواقعة. وإنما ضربت لك هذا المثل لتعلم أن صاحب الشر لا يسلم من شره أحد..

و(كليلة ودمنة) من كتب التراث التي لا تستغني عنها مكتبة وإن كان طوفان الكتب الغث منها والسمين قد أهال عليها التراب.. ولكن تظهر على استحياء كما ظهرت مؤخراً عن (مؤسسة سلطان بن علي العويس) الثقافية بالاشتراك مع عدد من المؤسسات الثقافية الأخرى!!

ويقول (خليل مردم بك) في مقدمته ان هذا الكتاب (كليلة ودمنة) من أجمل ما أبدعه الشرقيون في السياسة والأخلاق ويتضمن أشهر ما أجروه على ألسنة الحيوانات من قصص وأمثال.. ويقول: ويجمع الباحثون على أن الكتاب هندي الأصل ترجم إلى الفارسية بأمر من (كسرى أنوشروان) ثم ترجم من الفارسية إلى العربية بواسطة أديب عبقري يعتبر بحق ـ كما يقول (مردم بك) ـ رائد النشر العربي هو (عبد الله بن المقفع) الذي كان جزاؤه أن سجن وعذب ثم قتل.. وهذا من أسباب تقدمنا العظيم الذي نعيشه الآن.