الدافع!

TT

كل نشاط انساني في هذا العالم له دافع.. قد يكون الكسب.. وقد يكون المتعة.. وقد يكون الانقاذ.. وقد يكون القتل.. وليس هناك نشاط انساني بلا دفاع الا النشاط العبثي.. وحتى العبث قد يكون دافعا عند بعض الناس.

ومنذ ظهور الروايات البوليسية في نهاية القرن التاسع عشر وكثافتها في القرن الماضي وظهور التحليل النفسي في نفس الفترة تقريبا بدأت الشرطة تعتمد الى حد كبير على البحث عن الدافع لدى المجرم.. وتحليل نفسيته بالاضافة الى البحث عن الادلة مثل البصمات ومتعلقات المجرم او الضحية واستجواب الشهود.. الى آخره.

وفي الولايات المتحدة ظهر كتاب «تحليل الدافع» كتبه مؤلفان هما جون دوغلاس، الضابط السابق في المباحث الفيدرالية (F.B.I) ومارك اوشاكر وهو كاتب روائي ومخرج سينمائي.

ويبحث الكتاب في دوافع سلسلة من الجرائم التي هزت اميركا.. ومنها جريمة قتل جياني فيرساتشي، مصمم الازياء المشهور على يد صديقه الشاذ اندرو كانان.. وجريمة قتل 21 من رواد احد المطاعم في كاليفورنيا على يد جيمس هيوبرتي، وجريمة اوكلاهوما الرهيبة التي اودت بحياة 168 شخصا في انفجار مجمع ضخم، والفاعل شخص واحد هو تيموثي ماكفي.

ان البحث عن الدوافع في اغلب الجرائم هو البداية الصحيحة لاستكمال عناصر تحليل الجريمة.. فاذا وجدت جثة زوجة مقتولة فان السؤال الاول الذي يسأله المحقق هو الدافع لقتلها.. هل هي السرقة.. ام الغيرة.. ام الانتقام.. وسرعان ما ينشط رجال الشرطة في بحث ماضي القتيلة وعلاقتها بزوجها وجيرانها ومعارفها.. وتظهر الحقائق تباعا وتشير اصابع الاتهام الى القاتل فاذا اضيفت اليها قرائن وأدلة اخرى لم يكن امام القاتل الا الاعتراف.

لهذا اصبح دور المحلل النفسي رئيسيا في مختلف جرائم القتل، فطريقة ارتكاب الجريمة تعطي للمحلل النفسي صورة للمجرم.. ويقول جون دوغلاس الذي حقق مع المباحث الفيدرالية في الكثير من الجرائم انه اهتم بفحص الدافع الذي دفع لي هارفي ازوالد الى قتل الرئيس كيندي عام 1963، ويقول دوغلاس ان ازوالد لم يكن الا شخصا فاشلا يعاني من عقدة الاضطهاد.. ويشعر ان السبب في فشله واضطهاده ليس مجرد ظروفه الشخصية، ولكن الحكومة والنظام، ودفعه هذا الاحساس الى قتل اكبر رمز للدولة والنظام وهو الرئيس كيندي.

والكتاب متعة حقيقية لانه يجمع بين الدافع والتحليل وبين الوثائق والاسلوب الروائي المثير.