جرائم الحرب.. ماذا ينبغي أن يعرف الجمهور؟

TT

لا يمر يوم في هذا العدوان الأمريكي البريطاني على العراق دون أن نسمع من هذا الطرف أو ذاك عبارة «جريمة حرب». فقد اتهم وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف القوات الأمريكية باقتراف جرائم حرب كما واتهم الجانب الأمريكي الحكومة العراقية باقتراف جرائم حرب في طريقة تعاملها مع الأسرى وعرضهم على تلفزيون حكومي.

وعند الحديث عن جرائم الحرب لا بد أن يكون هناك مرجع قانوني رغم أن هناك العديد من الذين يعتقدون أنه كون الحرب أمراً شاذاً ومخالفاً للطبيعة، والمنطق الإنساني فلا يمكن وضع قوانيين لأمر شاذ مثل الحرب. ولكن الواقع غير ذلك، فعبر السنيين تطورت مجموعة قوانيين دولية وتم وضع آليات عملية لتنفيذ محاكمات لأشخاص قاموا بخروقات فاضحة لقوانيين الحرب.مجموع هذه الإجراءات سميت القانون الإنساني الدولي وتضم مما تضم اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملاحقها، ومجموعة الإضافات والمواثيق التي تم توقيعها من معظم دول العالم منذ ذلك التاريخ.

وجرائم الحرب حسب الخبراء القانونيين هي تلك الانتهاكات لقوانين الحرب- أو القانون الإنساني الدولي ـ التي تعرّض شخصاً للمسؤولية الجنائية الفردية. وكانت اتفاقيات جنيف لسنة 1949 التي قننت القانون الإنساني الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، علامة على أول تضمين للمجموعة من جرائم الحرب ـ الخروق القانونية الجسيمة للاتفاقيات ـ في معاهدة قانونية إنسانية. وتحتوي اتفاقيات جنيف الأربع «حول جرحى ومرضى الحرب البرية، جرحى ومرضى الحرب البحرية، أسرى الحرب، والمدنيين» قائمتها الخاصة بالخروق القانونية الجسيمة. والقائمة بمجموعها هي: القتل المتعمد ; التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية تعمد إيقاع معاناة كبيرة أو أذى بدني أو صحي; تدمير واسع للملكية أو الاستيلاء عليها بشكل لا تبرره الضرورة العسكرية وبشكل غير شرعي تعسفي; إجبار أسير حرب أو مدني على الخدمة في قوات الدولة الخصم; تعمد حرمان أسير حرب أو مدني محمي من حقه في محاكمة عادلة في محكمة منظمة تنظيماً قانونياً; إبعاد أو نقل مدني محمي بشكل غير شرعي; اعتقال مدني محمي بشكل غير شرعي; وأخذ رهائن لسنة 1977 حماية اتفاقيات جنيف للنزاعات الدولية فأصبحت الانتهاكات التالية خروقاً قانونية جسيمة: تجارب طبية معينة; الهجوم على مدنيين أو مواقع مجردة من وسائل الدفاع مما يجعلهم ضحايا حتميين له; الاستعمال المخادع لشارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر; قيام دولة محتلة بنقل قطاعات من سكانها إلى أرض تحتلها; الإبطاء غير المبرر في إعادة أسرى الحرب إلى أوطانهم; الأبارثيد; الهجوم على النصب التاريخية; وحرمان الأشخاص المحميين من محاكمة عادلة. وعلى الدول، حسب اتفاقيات جينيف والبروتوكول الإضافي الأول، أن تحاكم الأشخاص المتهمين بخروق قانونية جسيمة أو تسليمهم إلى دولة مستعدة لمحاكمتهم.

وتنطبق الأحكام المتعلقة بالخروق القانونية الجسيمة على النزاعات المسلحة الدولية فقط; وعلى الأفعال الموجهة ضد من يسمون الأشخاص المحمين أو أثناء العمليات العسكرية. وبعامة، فإن الأشخاص المحميين هم العسكريون الجرحى والمرضى في البر والبحر، أسرى الحرب، والمدنيون الذين يجدون أنفسهم في قبضة دولة ليسوا مواطنيها.

وعند الحديث عن جرائم الحرب يجب الاهتمام لعدة أمور هامة. فعكس ما يعتقده البعض فإن قيام دولة بصورة غير شرعية بالبدء بالحرب أو الغزو لها لا يرفع عن كاهل الطرفين مسؤولياتهم الدولية اتجاه قانون الحرب. فبرغم من عدم حصول الأمريكيين والبريطانيين على تخويل واضح من مجلس الامن لشن الحرب ضد العراق الا أن الرئيس العراقي صدام حسين كان مصيباً وملتزماً بالقانون الدولي عندما وافق رغم هذا الغبن من الطرف الأمريكي بالإعلان عن موافقة العراق الرسمية التعامل مع الجنود الأمريكان والبريطانيين كأسرى حرب.

كما ومن المهم عند التعامل مع موضوع جرائم الحرب أن يتم الحديث عن قضايا عينية ضد أشخاص أو جهات عينية وفي وقت محدد. فهذه الوقائع والعينات، والتي هي اساس قيام أي شخص برفع أي قضية عادية يطبق أيضاً في موضوع جرائم الحرب، فمثلاً عندما تم تقديم شكوى ضد رئيس وزراء اسرائيل ارئيل شارون بإقترافه جرائم ضد الإنسانية خلال مجزرة صبرا وشاتيلا، قام المحامون بالتقدم باسم عائلات فلسطينية فقدت أقاربها في تاريخ محدد وهو 1982/9/17 في موقع محدد وهو مخيمات صبرا وشاتيلا في لبنان.

وفي تطبيق هذا الموضوع على موضوع الحرب ضد العراق لا بد من التدقيق بهذه التفاصيل فمثلاً مجزرة السوق الشعبي أو قصف التلفزيون العراقي يجب أن يتم التعامل معها من خلال وقائع الحدث وشخوص المسؤولين من طيارين ومسؤولين عنهم.

طبعاً هناك ملاحظات لا بد من التأكيد عليها فالاعتداء على المدنيين في وقت الحرب هو جريمة حرب بدون شك، ولكن القانون الإنساني الدولي يحمي المهاجمين على المواقع المدنية اذا استطاعوا إثبات أن إطلاق النار كان يصدر من المواقع المدنية. ولذلك مثلا أعطى الأمريكان مساحة واسعة إعلامية لما أدعوه انهم اكتشقوا أسلحة ووسائل قتالية داخل احدى مستشفيات الجنوب العراقي وهو مخالفة متعارف عليها في القانون الدولي.

إن التمحص في موضوع جرائم الحرب أمر مهم يستطيع المواطن العادي التعمق فيه. فقد تم مؤخراً وضع مجموعة من المقالات حول جرائم حرب عينية في حروب مختلفة في أرجاء العالم على موقع للإنترنت هو www.crimesofwar.org\arabic وسيكشف أي شخص عند التعمق في هذا الموضوع مدى عمق وكثرة جرائم الحرب التي تقدمها جريمة حرب حسب اتفاق جنيف الرابع الذي يمنع القوات المحتلة نقل سكانها الى المناطق المحتلة، وهدم البيوت يعتبر عقاباً جماعياً يحظره القانون الإنساني الدولي بشده وفي عدة نصوص واضحة.

كما أن استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي سيارات الإسعاف والمدنيين والصحفيين والاغتيالات والإعدامات والتي تم توثيق العديد منها أمام شاشات التلفزيون هي جرائم للحرب يجب أن يتم التركيز عليها وعدم السماح للولايات المتحدة وحلفائها بالتملص من مناقشتها عند زعمهم عن جرائم حرب في العراق.

لقد فتح الأمريكيون باب النقاش في هذا الموضوع الهام والحيوي وعلى الإعلاميين والقانونيين والرأي العام العربي دراسة الموضوع واستخلاص العبر في كيفية التعامل معه في كافة مواقع النزاع العسكري كان ذلك في العراق أو أفغانستان أو فلسطين، وكان المحاربون عرباً أو اجانب أو اسرائيليين. ان القانون الإنساني الدولي مثله مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرجع دوليهام لا يميز بين العرق والقومية والدين ويجب علينا ابرازه في كافة المحافل رغم صعوبات الوضع الميداني والسياسي وضعف آليات المحاسبة.

* كاتب فلسطيني ـ القدس