إذًا... جنين كبرى

TT

لم يكن أحد في حاجة إلى التوضيحات التي قدمها بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الأميركي، عن أن الاحتلال الأميركي للعراق سيستمر وقتا طويلا تماما كما حصل بعد الحرب العالمية في المانيا واليابان. ولقد كان واضحا في هذا السياق ان طوني بلير مثل الآخرين، يواجه مهمات معقدة في سعيه لاقناع جورج بوش بأمرين: جعل العراقيين يحكمون أنفسهم في أقرب وقت ممكن، واعطاء الأمم المتحدة دورا محوريا في عراق ما بعد صدام حسين، لأن واشنطن قررت البقاء طويلاً في العراق... والمنطقة!

ولكن ماذا يعني تركيب إدارة جديدة تتولى حكم العراق وتكون ذا وجهين: وجه عسكري أميركي ووجه مدني عراقي؟ ان هذا يعني بالضرورة، عملاً يشبه وضع القناع على الوجه. قناع عراقي للوجه الأميركي، مع ان تصريحات وولفويتز جاءت على مقدار من الفظاعة المباشرة التي توحي بأن الذين يديرون الحرب في أميركا ليسوا مهتمين كثيرا بوضع الأقنعة أمام الوجوه، لأنهم يريدون لهذه الحرب أن تشكل نموذجا أو درسا على المستويين الاقليمي وحتى الدولي، ويعتقدون بأنه من المفيد جدا ان يرى العالم إلى أي درجة ان أميركا جادة في تطبيق «استراتيجيا الضربة الاستباقية» التي أعلن عنها بوش العام الماضي.

وهكذا لم يعد الحديث في واشنطن عن قيام حكومة مؤقتة من الجنرالات الأميركيين وبعض وجوه المعارضة العراقية يسبب أي حرج، فها هو وولفويتز يبلّغ شبكة «فوكس نيوز» انه «قد يكون من المبكر القول ان هذا الترتيب هو الذي سيُعتمد. وان هذه المسائل يجب أن تتقرر بشراكة مع حكومة عراقية تمثل الشعب العراقي».

ولكن ليس من الواضح كيف يمكن الحديث عن «الشراكة» أو تمثيل الشعب العراقي، إذا كانت صفوف المعارضة مفككة على هذا النحو، إلاّ إذا كانت واشنطن تعتبر ان أناسا مثل أحمد الجلبي ونزار الخزرجي يمثلان العراقيين، وقد دخلا أخيرا إلى جنوب العراق حيث أعلن الجلبي عن انخراطه في القتال ضد النظام.

وإذا كانت الكلمة الأولى ستبقى في يد الجنرال تومي فرانكس كما يتردد في واشنطن فإن الجنرال السابق جاي غارنر صديق آرييل شارون هو الذي سيتولى إدارة عمل الحكومة المؤقتة، التي يبدو ان في طليعة مهماتها الأساسية عقد تسوية مع إسرائيل، وهو ما يعيد إلى الاذهان الشعار الذي يقول: «من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل».

إذاً لا حاجة إلى أصوات أناس مثل جيمس بيكر الذي يحذّر قائلاً: «نريد أن يصبح العراقيون شعبا مُحررا وليس شعبا مهزوما»، أو مثل زبيغنيو بريجنسكي الذي قال ان هذه الحرب هي حرب شارون، ربما لأن بين الذين يفرضون كلمتهم الآن في واشنطن أناسا مثل الجنرال جيم ولسي المدير السابق للاستخبارات الذي قيل إنه سيتولى وزارة الاعلام بدلاً من الصحاف، وهو لم يتوانَ عن القول لطلاب في جامعة كاليفورنيا: «هذه هي الحرب العالمية الرابعة وستستمر أكثر من الحرب العالمية الأولى، لأنها تستهدف أعداءنا في العراق وايران وسوريا وتنظيم القاعدة».

وعليه، يمكن الاستخلاص بأن ما حصل حتى الآن ليس جعل العراق ديموقراطيا عبر تحويله نسخة عن مخيم جنين ولا إلقاء مئات آلاف الأطنان من القذائف، بل مجرّد طلقة أولى تعلن عن بدء مذبحة تحويل الشرق الأوسط جنين كبرى.