في اليوم التالي

TT

قبل ان تبدأ الحرب اطلقوا على الفترة الاولى التي تعقب الانتصار «اليوم التالي»، معتبرينها مرحلة لا تقل خطورة عن فترة الحرب نفسها.

لذا لم يكن مفاجئاً ان تدب الفوضى ويشيع السلب ويعم الخوف وتستمر المعارك جانبية هنا وهناك. وهي مرحلة محسوبة. ما لم يقع، على الاقل حتى الآن وعسى ألا يحدث، هو اندلاع حرب اهلية في داخل المدن الرئيسية بين انصار النظام البائد والناس، او معارك بين المنتمين سياسيا للطوائف، بما يمثله العراق من تعددية صارخة. انه هاجس الجميع اليوم لكنه لحسن الحظ مرت الايام القليلة التالية لسقوط النظام بلا سكاكين او دماء بين العراقيين، وهذا إن استمر سيكون اعظم انتصار من اسقاط صدام ذاته، بعد ان كثرت ادعاءات وقوع الحرب الأهلية المؤكدة بمقومات الاختلاف وانتشار السلاح في ايدي الناس.

كان التخوف، ولا يزال، ليس من الذين يحطمون بنكا او يفرغون مؤسسة، بل كان الخوف، ولا يزال حتى اليوم، من ان يفكك العراق ويفرغ مما يستحيل اعادة لحمته بدون بحار من دماء. الخوف ليس ان يسرق الناس سجاجيد وزارة او كراسي مدرسة، بل ان يهرب اناس بالجنوب واناس بالشمال وتقع فتن كبيرة، هذه هي المخاوف التي لا تزال تشغل بال الجميع.

اما النهب فهو من صفات الايام التالية لسقوط الانظمة ونهاية الحروب، بل ان مدينة نيويورك عندما انقطع الكهرباء عنها ذات مرة لساعات قليلة خرجت عن سيطرة الأمن وعمها النهب والفوضى، وزادت فيها حوادث القتل والاغتصاب رغم وجود اكبر جهاز شرطة في العالم.

رؤيتنا يجب ألا تنحرف من القضايا الرئيسية الى التفاصيل الدقيقة للاحداث اليومية، مهما كانت مؤلمة، والتي ستصحبنا خلال فترة ما يسمى «اليوم التالي».

القضية الرئيسية، أيضاً، ليست ملاحقة صدام او القضاء على فلول القيادة، او تصيد اخطاء النظام البائد، فهذه صارت او ستصبح من التاريخ الماضي، انما الاهم هو الحاضر الجديد والمستقبل المرتبط به. فعراق مستقر بنظام سياسي يمثل جميع العراقيين سيسهل على الجميع احتواء اخطر جوانب الأزمة. ومن باب التذكير بهذه الزوايا الخطرة، فإن اهمها تأمين استقرار العراق وسيادته، حتى لا تكون هناك انشقاقات في الشمال والجنوب، وهي مسألة قابلة للوقوع إن تأخر قيام سلطة مركزية نافذة ومقبولة. ومن الزوايا بالغة الخطورة ايضا ضبط الدول المجاورة ذات المصالح المناقضة للسلطة الجديدة.

والمنشغلون بافرازات سقوط نظام العراق عليهم، مهما كانت مواقفهم ومشاعرهم، عدم اعطاء فرصة للتورط في نزاعات مع القوى العالمية، وتحديدا الولايات المتحدة.

فالقوة المنتصرة اليوم تحتاج الى ان تُستوعب لا ان تُقارع سياسيا، طبعا لا اتصور ان احدا ينوي مواجهتها عسكريا. فالولايات المتحدة، نفسها، تحمل طروحات لم يتفق عليها وتحتاج الى موقف عربي يساند المعقول منها. واذا كانت العين على الواقع المؤلم في العراق، بقتلاه وجراحه وفوضاه، فان الامل كبير في بناء مستقبل افضل لهذا البلد الذي يبدو كما اكتشفه العالم، بلداً نهبه النظام البائد قبل أن يجهز عليه الغاضبون.