إلى رحمة ربه

TT

انتقل إلى رحمة ربه يوم السبت الماضي امير اللواء علي حسن المجيد الملقب بعلي كيماوي عن عمر ناهز الرابعة والستين بعد حياة عامرة بالاحداث في خدمة ابن عمه الرئيس صدام حسين. وقد ولد يرحمه الله في مدينة تكريت وقضى الردح الأول من حياته في التسكع والشقاوة والهروب من المدرسة فلم ينل اي شهادة مدرسية حتى عطف عليه قريبه التكريتي الآخر اللواء أحمد حسن البكر فعينه جندياً مراسلاً ينقل الرسائل على الماتورسكل. وبارتقاء حزب البعث الى الحكم عام 1968، رفعه صدام حسين من رتبة جندي بوسطجي الى أمير لواء في الجيش العراقي ثم عينه وزيراً للداخلية ثم وزيراً للخارجية. وفي عام 1987 اصبح رئيسا لحزب البعث.

عرف علي حسن المجيد بروحه الدموية منذ نعومة أظفاره وآمن بأن القتل خير حل لكل مشكلة ويعتبر مسؤولاً عن اختفاء ما يزيد على ستمائة مواطن كويتي عندما أصبح حاكما للكويت خلال الاحتلال العراقي ولكنه اظهر موهبته الفريدة في القتل عندما تولى عملية الانفال ضد الثوار الاكراد فاستعمل الغازات السامة ضد القرى الكردية نحو ستين مرة توجها بإبادة مدينة كاملة، قضاء حلبجة، وبها نال لقبه المعروف بعلي كيماوي. يعتبر مسؤولاً عن اختفاء ما يقرب من مائة الف مواطن كردي.

وحسب تاريخ عادل درويش لحياة هذا الرجل، اختاره صدام حسين كقاتل محترف في عصابة من الاشقيائية السرية داخل حزب البعث تضم صدام حسين ومحمد سعيد الصحاف (وزير الاعلام الحالي) وطارق عزيز (نائب رئيس الوزراء الحالي) وعزت الدوري، سيطرت هذه العصابة على كل ميادين الحياة السياسية في بغداد بالقتل والنار وقامت عام 1979 بتطهير الحزب من اي عناصر وطنية شريفة فقام هو شخصياً بقتل 15 عضواً قيادياً في عصر يوم واحد، وانتقل بعد ذلك الى مافيا من التكريتيين تحت توجيه عدي صدام حسين دخلت في عملية تصفيات واغتيالات عائلية اودت بحياة عمه كامل علي واولاد عمه حسين كامل وصدام كامل وآخرين. حيثما جرى دم أحد افراد العائلة، كان لعلي حسن المجيد اصبع في ذلك. فهو حلال المشاكل لصدام وعدي صدام واخذت حلوله دائماً صفة الاغتيال والتصفية.

كان يرحمه الله محباً للحياة وما من شيء استمتع به اكثر من وجبة عشاء من لحمة خروف على الرز واللوز يتناولها بيده العريضة مع زجاجة ويسكي بعد قتل اثنين او ثلاثة من اقاربه ثم يتجشأ ويقول الحمد لله والشكر لله وحده. يمسح شواربه الكثة ويتوجه الى امرأته، أي امرأة كانت.

هكذا فعل عندما كلفه ابن عمه القائد المنتصر بقمع انتفاضة الجنوب عام 1991 فعرضت شاشات التلفزيون مدى حرصه على الواجب وهو يركل برجله ابناء كربلاء والنجف، الحي منهم والميت. ويصدر اوامره بقصف ضريح الامام علي وضريح الحسين والعباس.

باندلاع ازمة الحرب الحالية، بعث صدام حسين هذا الرجل الى العواصم العربية ليقنع المسؤولين بالوقوف إلى جانب المافيا التكريتية، باسم الدفاع عن العراق والكرامة العربية، فلقي من الترحاب والاجلال، العناق والتقبيل، ما لم يذقه محمد عبد الوهاب او فريد الاطرش طيلة حياتهما.

عاد من مهمته الى بغداد فأسند اليه القائد المنتصر مهمة قيادة الدفاع عن جنوب العراق، المنطقة التي اظهر فيها من قبل براعته بالقتل والابادة، املاً بالطبع في ان يوفق الى مثل ذلك مع الامريكان. عاد الى قصره في البصرة، القصر المنيف المطل على شط العرب. زوده بكل ما يحلو لانسان . حوض سباحة، حمامات بحنفيات ذهبية 24 قيراطا، ستائر وافرشة من حرائر الصين، بار عامر بشتى المشروبات. ولكنه فاته تزويد القصر بأهم شيء لواحد في منزلته: ملجأ خرساني عميق ضد القنابل، فخر صريعاً لأول قنبلة سددتها عليه المدافع البريطانية يوم 5 ابريل 2003. فارق الحياة عن عمر قضاه بالقتل والنصب والكذب والبطش. «انا لله وانا اليه راجعون». وكان واحدا ممن عاهدوا ابليس على الظلم والمكر.