تحد يواجه إدارة بوش: تجنب المغريات الخطرة

TT

هل بوسع ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش ان تتبع حملتها العسكرية في العراق في العراق بحملة سياسة ودبلوماسية ناجحة وفاعلة؟ اعتقد ان بوسعها فعل ذلك اذا تحاشت بعض المغريات المحفوفة بالخطر.

اول هذه المغريات يوجد داخل العراق نفسه، حيث من المحتم ان يكون مسؤولو الرئيس بوش تراودهم الرغبة في دعم الفرص السياسية لاشخاص علاقتهم بهم قائمة على المعرفة والثقة على مدى عدة سنوات مثل احمد الجلبي.

هذا المسألة مفهومة ومبررة لكنها خاطئة. ليس ثمة شك في ان الجلبي شخص جيد، فخلال وجوده في المنفى عمل جاهدا ضد نظام صدام حسين. فإذا استطاع حشد تأييد حقيقي الآن داخل العراق من خلال مجهوده الخاص سيتمنى له العالم التوفيق في اداء مهمته، بيد ان الولايات المتحدة يجب ألا تدعمه على حساب قادة عراقيين آخرين وعلى وجه الخصوص اؤلئك الذين بدأوا الآن في الظهور من داخل العراق نفسه.

وكما قال نائب وزير الدفاع الاميركي بول وولفويتز الاسبوع الماضي، فإنه «ليس من المنطق في شيء التحدث عن الديمقراطية ثم التحول عن هذا الموقف والاتجاه نحو اختيار القادة لهذا البلد الديمقراطي». لذا، فإن الولايات المتحدة يجب ألا تساعد احمد الجلبي او غيره في تنصيب نفسه كشارل ديغول في الايام الاخيرة للحرب. فإذا بدا الامر وكأن الولايات المتحدة قد خاضت الحرب من اجل وضع احمد الجلبي في السلطة، فإن النجاح الهائل الذي احرزه الرئيس بوش سيصبح موضع شك.

الاغراء الثاني يتمثل في احتمال اتجاه ادارة الرئيس جورج بوش للدول الاوروبية التي عارضت تأييد الحرب. فالإحساس الغامر بالنصر ربما يدفع البعض في ادارة بوش الى معاقبة الدول الاوروبية وحلفاء واشنطن الآخرين الذين عارضوا الحرب. لا شك ان الرد يعتبر رغبة انسانية عادية، إلا ان ما هو متوقع من القوة العظمي الوحيدة في عالم اليوم الابتعاد عن حمل الاحقاد والضغائن.

ليس هناك دولة حليفة للولايات المتحدة تسببت في تعريض هذه الحرب للخطر مثل تركيا، لكنه سيكون ضربا من الحماقة السياسية والاستراتيجية اذا اتجهت واشنطن، خصوصا في ظل عملها حاليا في ببناء عراق ديمقراطي، الى معاقبة الدولة الديمقراطية المسلمة المعتدلة الوحيدة في المنطقة. تبدو إدارة الرئيس بوش قادرة على تسوية الخلافات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع غض النظر عن تزويد روسيا للعراق بأسلحة محظورة، كما لن تدفع الصين ثمنا في الغالب على انضمامها الى كل من فرنسا وروسيا في معارضة الحرب.

لا شك في ان بوش يجب ان يشيد بكل من وقف مع الولايات المتحدة في الحرب ضد العراق خصوصا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. ولكن لن يصبح ممكنا التعامل مع فرنسا طالما حكومة شيراك مستمرة في عرض نفسها كدولة تعمل على بناء قوة مقابلة للولايات المتحدة. وفي نفس الوقت، اذا بدا ان الولايات المتحدة تحاول مطالبة الاوروبيين بالاختيار بين ان يكونوا اوروبيين وان يكونوا موالين للولايات المتحدة، فإن واشنطن ستمنى بالفشل. فالاتحاد الاوروبي لا يزال يمثل المؤسسة السياسية المهيمنة داخل المجتمع الاوروبي، فيما يحاول بلير إصلاح علاقاته مع اوروبا، اذ ان معاقبة الدول الرافضة للحرب لن تساعده كثيرا.

يجب ألا تتجه الولايات المتحدة الى إحداث انقسام في اوروبا، ولتفعل فرنسا ذلك اذا ارادت. ما يمكن قوله هنا هو ان غالبية القادة الاوروبيين يدركون ان سياسة معارضة الولايات المتحدة ستجعل من مسألة الوحدة الاوروبية امرا مستحيلا. ادارة بوش يجب ان تحتفظ بدورها بعلاقات ودية مع القارة الاوروبية، وفي هذه الجانب بذل وزير الخارجية كولن باول مجهودا ايجابيا في بروكسل الاسبوع الماضي كما التقى نائب الرئيس ديك تشيني مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الاوروربي، خافيير سولانا.

حان الوقت اذا لاتخاذ الخطوة المقبلة. فإذا اقتضت المحافظة على المصالح القومية فتح صفحة جديدة وإصلاح العلاقات مع موسكو وبكين وانقرة، فلم لا تفعل واشنطن ذلك مع برلين؟ فعل العكس من قبل تركيا، لم تمنع ألمانيا الطائرات الاميركية حق التحليق فوق اجوائها خلال الحرب، كما انها لم تحد من استخدام القواعد العسكرية الاميركية فوق الاراضي الألمانية. ارسلت ألمانيا ايضا بطاريات صواريخ باتريوت الى اسرائيل، فيما يرغب الكثير من الألمان في إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة. واذا لم تكن هذه الاسباب كافية، فهناك سبب ستضعه ادارة الرئيس بوش في الاعتبار وهو ان الولايات المتحدة اذا اتجهت نحو معاقبة ألمانيا، فإن ذلك سيدفع برلين الى الإقبال على علاقات اوسع وأكثر متانة مع باريس. كما ان الرئيس بوش اذا اتصل هاتفيا بالرئيس الروسي بوتين، فبوسعه ايضا الاتصال بشرودر، ليس لسبب حبه له ولكن لأنها خطوة ذكية.

الإقناع وليس المعاقبة هو افضل السبل لجمع غالبية الدول الاوروبية وهذا يقودنا الى الاغراء الثالث وهو ان اقتراب الحرب من نهايتها ربما يغري الجهات المسؤولة في واشنطن على عدم تخصيص الاهتمام اللازم بحملة الدبلوماسية الشعبية. وفي واقع الامر يجب على الادارة الاميركية تفعيل حملة هذا النوع من الدبلوماسية، فواشنطن في حاجة ماسة للعمل بصورة اكثر جدية لتبرير الحرب.

بوسع ادارة الرئيس بوش كسب تأييد الرأي العام في اوروبا والعالم العربي من خلال اقناعه بأن هذه الحرب اكثر عدالة. من الواضح ان واشنطن تعتزم الترويج لكل اسلحة الدمار الشامل العراقية التي تعثر عليها القوات الاميركية وسيكون هناك الكثير منها. ولكن يجب ان تكون هناك الكثير من الجهود في سبيل توثيق وتوضيح الطبيعة الوحشية لنظام صدام حسين. يجب ان يمول بعض المليارديرات مشروعا موازيا لـ«متحف الهولوكوست» في بغداد للتذكير بمعاناة العراقيين (والكويتيين والايرانيين) على مدى حوالي ربع قرن. يجب ان تسمع هذه الاصوات عالية بما في ذلك الذين سدوا آذانهم ازاء مناشدات العراقيين وصبوا جام غضبهم على الولايات المتحدة.

على اية حال، فإن مقدرة الولايات المتحدة على القيادة بصورة فاعلة مستقبلا تعتمد كثيرا على كيفية استيعاب وتذكر الحرب الحالية، فهذه المعركة بدأت لتوها واذا ابدت ادارة بوش ذكاء واضحا في الساحة الدبلوماسية، كما هو الحال في الساحة العسكرية، فإنها ستكسب في نهاية الامر.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»