تركيا أول المهزومين

TT

هزائم الأتراك في العراق سبقت حتى هزيمة النظام العراقي. لا يبالغ الخبراء إذا قالوا الآن، ان في وسع الحكومة التركية أن تبتلع ريقها بمرارة، وربما لسانها الذي عقدته المفاجآت بعد الانهيار الدراماتيكي لنظام صدام، الذي عامل العراقيين بالحديد والنار، واستقبل الأميركيين والبريطانيين بالتواري عن الأنظار!

عمليًا تلقت تركيا حتى الآن صفعتين، صفعة استراتيجية وصفعة تكتيكية، ولا بدّ من ان الجنرالات في أنقرة سيسارعون بمطالبة «حزب العدالة والتنمية» بِـ«كشف حساب» قد ينتهي بأثمان كبيرة يفترض أن يدفعها أولئك الذين عقدوا رهانات سياسية واتخذوا قرارات تركية، تتعلق بالحرب على العراق سرعان ما تبيّن «انها كارثة» وهي وفق الحسابات التركية كارثة قد تخلق دينامية امتعاض وإدانة تؤدي إلى إسقاط حكومة أردوغان.

تتمثل الصفعة الاستراتيجية، في تراجع دور تركيا الإقليمي، فبعد انهيار نظام صدام حسين ودخول العراق في محورية السياسات الأميركية، ستفقد تركيا عناصر أساسية تقلل من أهمية النظر اليها من واشنطن كلاعب حيوي وضروري في «مفصل الربط» بين أوروبا والبوابة الشمالية للعالم العربي.

ثمة ما يذكر هنا بالخسائر الاستراتيجية الفادحة التي تكبّدتها تركيا بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الشيوعية قبل عشرين عاماً تقريباً، حيث كانت تلعب على امتداد أعوام الحرب الباردة دور أذن الاستخبارات الأميركية على أبواب الكرملين، وخصوصاً من خلال دورها كعضو في حلف شمال الأطلسي.

الآن مع وجود الأميركيين في العراق، باتوا أكثر اقتراباً من ايران وسوريا ولم تعد تركيا تحتكر هذا الدور الاستراتيجي، الذي يأخذ شكل أسفين بين جنوب شرق أوروبا، حيث تتفشى الأطلسية مثل النار في الهشيم، وبين شمال شرقي الخليج.

أما في ما يتعلق بالصفعة التكتيكية فإنها تتمثل بما جرى في شمال العراق، حيث ستفرز الوقائع الميدانية عناصر من شأنها تظهير الحيثية الكردية والدور الحيوي الكردي كما لم يكن من قبل.

صحيح ان الأميركيين دفعوا إلى كركوك وتعمّدوا الإبطاء في الدخول اليها، ربما لتذكير حكومة أردوغان بالتردد والابطاء والرفض وهي المواقف التي عاملت بها أنقرة طلبات واشنطن التي كانت تعوّل كثيراً على فتح الجبهة الشمالية بقوة ضد النظام العراقي ولكنها تلقت صفعة مدوية من الحكومة التركية.

ان دخول الأميركيين إلى كركوك والموصل، لا يلغي الحجم الذي كسبه الأكراد عبر تقدمهم على جبهة الشمال السهلة جداً بعد انهيار بغداد، بل انهم كسبوا قوة معنوية وزهواً وحوافز سيكون لها دورها في المستقبل، ثم ان «الادارة المدنية» التي شكّلت في كركوك بالتساوي بين الأكراد والعرب والتركمان، أُعلنت من قِبَل القيادة الكردية، وهو ما يعطيها أرجحية سياسية تضاف إلى الأرجحية الميدانية، بما يعني استطراداً، ان الحضور الكردي في شمال العراق، الذي طالما شكّل خطاً احمر، لم تتوانَ تركيا عن شنّ الحملات العسكرية لتدميره وتحجيمه، أصبح الآن أكثر قوة وعمقاً وتأثيراً وبات الرقم الكردي حيوياً جداً في المعادلة هناك.

نقول هذا ونحن نعلم كما يعلم المسؤولون في أنقرة طبعاً، ان الهواجس التركية من الأكراد قد تضاعفت، وان كل الحسابات والرهانات التي أقامتها حكومة أردوغان للتقليل من هذه الهواجس قد سقطت. فإذا بقي العراق موحداً سيكون الأكراد رقماً صعباً جداً وحيوياً جداً في الشمال، وإذا هبّت رياح التقسيم سيكونون بوجود الأميركيين رقماً يثير الهلع ويجلب المتاعب.

يبدو أن صدام سيأخذ معه رؤوساً تركية أيضاً!