أين صدام؟

TT

ما نشرته صحيفة «التايمز» اللندنية يوم الخميس الماضي نقلا عن عسكري أمريكي في الدوحة عن احتمال وجود صدام حسين في دمشق، وعن «حق» الولايات المتحدة الأمريكية في القيام بعملية كوماندوز لإلقاء القبض عليه، هو واحد من سلسلة من التكهنات العديدة حول المصير الذي آل إليه صدام حسين وكبار قادته. فالولايات المتحدة الأمريكية رصدت مائتي ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تفيد في القبض عليه، ولا بد أن صدام ـ إن كان حيا ـ سيجزع عند معرفة أن رأسه عند الأمريكان «أرخص» كثيرا من رأس بن لادن والملا عمر اللذين رصد لرأسيهما خمسة وعشرين مليون دولار، وكأني به يردد (إن كان حيا): «شنو، ذولا أحسن مني».

كما وزعت صور صدام وقادته على ورق اللعب أي الكوتشينه كما يسميها أهل مصر، والشدّة كما يسميها أهل الشام، والجنجفة كما تسمى في الخليج، وعمم على أولئك القادة، ولكن غاب عن مجموعة ورق اللعب تلك صورة «الجوكر».

والواقع أن الحديث عن مصير صدام حسين يعكس ـ في بعض جنباته ـ صورا من العقلية العربية الغيبية حول تفسير ما لم نجد له تفسيرا، كما تعكس عجزنا عن فهم ما يدور حولنا، وكيف أن بعضنا يساق للأحداث سوقا من دون أن يكون له حق التساؤل: إلى أين؟

فلنطلع للتوضيح على بعض من تلك الروايات حول مصير صدام حسين.

أكثر القصص انتشارا توجد في معسكر الواهمين، ويشترك معهم بعض من التآمريين، ومفادها أن صدام حسين خائن اتفق مع الأمريكان على تسليم بغداد مقابل أن ينجو بحياته وحياة ولديه، وأنه الآن يعيش في روسيا، وقيل بل في الولايات المتحدة الأمريكية، مرفها سعيدا بعد أن أدى دوره «الخياني»، وبأن المسألة «لعبة» كبرى كان صدام حسين ضالعا فيها ومتورطا ـ من هامته حتى اخمص قدميه ـ في إخراجها وتمثيلها، وتبرر هذه الرواية تفسيراً للكيفية التي سقطت بها بغداد، والتفافاً على حقائق العقل والمنطق بأن جيوش الطغاة لا تجيد إلا فن حرب شعوبها.

كما أن الروايات لا تزال منتشرة بين من لا يريدون أن يصدقوا ما حدث، وهذه القصص تندرج تحت ما يسمى في علم النفس «بالإنكار» DENIAL ومفادها أن هول الصدمة يدفعهم إلى رفض التصديق بما حدث، فالبعض يعتقد أن صدام حسين حي يرزق، وأنه مختبئ في مكان ما في العراق، ينتظر الفرصة السانحة لاستئناف «الجهاد»، وأنه لا يمكن لمن كان اسمه «يهز أمريكا» أن ينتهي بهذه الصورة السريعة والغريبة. فهل من المعقول لبطل «قادسية صدام» أن يتهالك بهذه البساطة؟ وهل يمكن لقائد «أم المعارك» أن يتلاشى على طريقة «فص ملح وذاب»؟ وهل يعقل أن من يقود معركة «الحواسم»، يحسمها بهذه الهزيمة النكراء والسريعة؟ وهل يعقل أن يصبح قاهر الثورات، ومحبط المؤامرات، ومبيد الانقلابات أثرا بعد عين بين عشية وضحاها؟ لا يمكن تصديق ذلك، بل علينا جميعا أن نقف في كافة محاولات الترويج لمثل هذه الإشاعات «الإمبريالية» التي تحاول تثبيط عزائمنا، والقضاء على قادتنا ومجاهدينا.

آخر الإشاعات تقول إن صدام ميت جدا، وبعضها قال إنه مات «بس ما ماتش أوي».