سقوط النظام العراقي: كيف نقرأ الحدث؟ (5 ـ 5)

TT

اذا آمنا بأن ما حدث في العراق هو تغيير سياسي كبير، في شكله ومضمونه، يتحتم علينا ان نقبل ان لهذا التغيير ملحقات ستتبعه واولها سيمس القضية العربية ـ الاسرائيلية، الذي اعتقد انْْه سيكون ايجابيا رغم كثرة المتشائمين.

وفي هذا الاطار لنمتحن النظرة الشكية التي تشوش عادة على الرؤية والسلوك السياسي العربي. فقد شاع بين المتشككين ان الحرب على العراق ستعطي المتطرفين الاسرائيليين رخصة لترحيل الفلسطينيين الى الاردن، فتحقق حلمهم باسرائيل من نهر الأردن الى البحر المتوسط. هل تتذكرون؟ الواقع انها اسمعت العرب كلاما ما كان شارون يجرؤ على قوله من قبل.

فأول ضحايا سقوط نظام صدام هو رئيس وزراء اسرائيل ارييل شارون نفسه، الذي سارع للاعلان فورا انه «مستعد لتقديم تنازلات مؤلمة»، بينها التخلي عن مستوطنات مثل مستوطنة بيت ايل التي يوجد فيها مقر القيادة المركزية لجيش الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية.

هذه الجملة تؤذن بمرحلة جديدة في العلاقة مع الفلسطينيين تختلف عما عهدناه في عقل هذا الرجل الذي يفاخر بعناده ويستمد قوته من دعم المستوطنين له في الحكم. لم يطرح شارون تنازلاته تطوعا بعد سقوط خصمه صدام لكنه انصاع للضغوط الخارجية الناجمة عن المطالبات العربية التي سبقت الحرب بأسابيع قليلة. اعرف ان ولي العهد السعودي ابلغ الرئيس الاميركي مخاوفه من ان تكون الحرب في بغداد على حساب القضية الاكثر خطورة، وهنا ارسل له الرئيس الاميركي خطابا شخصيا موقعا قبل الحرب يؤكد له فيه التزامه بتحقيق سلام عادل للقضية العربية ـ الاسرائيلية.

ايضا، هذه نتيجة ايجابية، ثمنا للضغوط التي مارسها البريطانيون الذين يشعرون بحجم الشك العربي في النيات الاميركية. لكن هذه الضغوط، وهذا الثمن، قد تتبخر اذا لم يحسن العرب صرف مستحقاتهم من الحرب مبكرا، واذا لم يقروا بأهمية التعامل الواقعي مع القضية الفلسطينية. وهنا تدخل شخصية موالية لاسرائيل (ريتشارد بيرل، مستشار البنتاغون)، لتذكير الرئيس الاميركي بأن موقف العرب كان سلبيا وبالتالي يجب ألا يكافأوا عليه في الموضوع الفلسطيني.

لكن هناك قضية اخرى في طور الاصلاح، او طور التعقيد، هي تأهيل العراق لحكم مدني مستقر وسيكون للعرب فيها يد طولى اذا اختاروا التعاون مع القوة المنتصرة: الولايات المتحدة. وهذا الموقف قد ينعكس ايجابيا على حل النزاع الشامل، أي ان هذا يتطلب تحولا في التفكير السياسي العربي الذي قد يجد نفسه مرة ثانية اسير الديماغوجية الشارعية اذا تعقدت تطورات الساحة العراقية.

ومرحلة حسم الوضع العراقي أراها الفرصة الجديدة لتحقيق الحل الوحيد للنزاع مع اسرائيل، بقيام دولة فلسطينية مبنية على الحل العربي في قمة بيروت، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي السورية واللبنانية. وعلينا الا ان نعتبرها مشروعا صعبا اذا تذكرنا كم كانت الاطراف المتفاوضة قريبة جدا من الوصول الى حل في الضفة الغربية والجولان ايضا.

ففي الوقت الذي عبر فيه الرئيس الفلسطيني عن ندمه، بأسلوبه، عندما عرض تراجعه عن رفضه واستعداده لقبول مشروع باراك للسلام خرج شاؤول موفاز، وزير الدفاع الاسرائيلي، واعلن هو الآخر اعترافه بخطأ اسرائيل في انها لم ترض عقد سلام مع سورية في المفاوضات بسبب بضعة امتار تركز الخلاف عليها بين الجانبين. ان هذه الامتار القليلة التي تفصلنا عن السلام في الضفة الغربية والجولان لن يكون صعبا على الطرفين تجاوزها، وانهاء ام المشاكل في المنطقة، وهذه فرصة قد لا يجود الزمن بمثلها الى وقت طويل.