وجاء اليوم التالي..

TT

من الواضح ان الولايات المتحدة هي سيدة عالم اليوم، وهي تسعى لاعادة تشكيل هذا العالم، خاصة بعد انتصارها في حرب الخليج الثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي، ونصرها في افغانستان سواء حين كانت متعاونة مع «المجاهدين» من «مقاتلي الحرية» او حين شنت حربا على «الارهابيين»، واخيرا نصرها في العراق او حرب الخليج الثالثة. كل هذه الامور اعطت الولايات المتحدة او لنقل الصقور من مصممي السيناريوهات وواضعي الاستراتيجيات في واشنطن، ثقة مفرطة في النفس بالقدرة على اعادة تشكيل العالم وشعورا «بواجب» اعادة تشكيل العالم، بما يتلاءم وكون الولايات المتحدة هي محور النظام الدولي الجديد، سياسيا واخلاقيا على السواء. وقد تعزز هذا الاحساس في اعقاب احداث ايلول/سبتمبر، التي تشكل في تقديري نقطة الحسم في التردد الاميركي بهذا الشأن، وهو التردد الذي كان عنوان مرحلة ما بعد سقوط اتحاد السوفيت وحرب الخليج الثانية، وقبل هجمات سبتمبر، ففي اعقاب سبتمبر، يبدو ان الولايات المتحدة قد قررت ان تبني «الباكس اميركانا» منفردة بشكل شبه مطلق واعتمادا على جهودها الذاتية الخاصة، خاصة بعد ان بينت معركة افغانستان ان دور حلفاء اميركا المفترضين، خاصة من الاوروبيين، دور محدود وانهم من المتخلفين في تقنية السلاح وغيرها من تقنيات العصر، مقارنة بالقدرات الاميركية في هذا المجال، بالاضافة الى التمرد الاوروبي المتزايد لمخططات السياسة الخارجية الاميركية، وهو ما شجع الولايات المتحدة على خوض الحرب في العراق دون الحاجة الى مثل هؤلاء الحلفاء، وحتى دون الحاجة الى غطاء من الشرعية الدولية، فهي اليوم تبني شرعيتها الخاصة التي ستكون ذات يوم شرعية دولية مقبولة، طالما انه ليس هناك من منافس لها في مجال القوة، والقوة هي لب السياسة في الأول والآخر.

ومنذ احداث سبتمبر عام 2001، هناك تركيز اميركي واضح على منطقة الشرق الاوسط. بعد سبتمبر، وتحكم اليمين الاميركي بمفاتيح القرار في واشنطن، بدا ان هنالك تركيزا اميركيا واضحا على تغيير شامل وجذري في المنطقة، سواء من ناحية تغيير محتمل، وان كان احتمالا بعيدا، في الخريطة الجيوسياسية او من ناحية تغيير شبه مؤكد في الخريطة الثقافية والسياسية الداخلية لمعظم دول المنطقة. المسألة هنا أبعد من قضية النفط على اهميتها وأبعد من الحفاظ على أمن اسرائيل، رغم اهميتها بالنسبة للولايات المتحدة وأبعد من قضية اسلحة الدمار الشامل في العراق وغير العراق. القضية هنا قضية استراتيجية بعيدة المدى، تتعلق ببناء نظام دولي جديد (سياسي، اخلاقي، قانوني) وفق المنظور الاميركي البحت في منطقة لا زالت وفق تحليل كيسنجر وغير كيسنجر، تنتمي الى اوروبا ما قبل وستفاليا في علاقاتها واهدافها ومحركات سلوكها، سواء في الداخل او الخارج على السواء، فالادارة الاميركية، وخاصة في مرحلة ما بعد سبتمبر، ووفق هذا المنظور الشامل، تتعامل مع منطقة الشرق الاوسط على انها المنطقة الاكثر اضطرابا في العالم، سواء من الناحية السياسية او الاجتماعية او الثقافية، فهي، اي تلك المنطقة، الاكثر تهديدا لاستقرار النظام الدولي الجديد، من حيث توطن ثقافات معادية للمعاصرة والعولمة والحداثة الثقافية، ومن ثم الغرب واميركا، في مجتمعاتها ودولها، بالاضافة الى ثروات طبيعية تمكنت خلالها هذه الثقافات من الرسوخ والانتشار، بدل الذبول والاضمحلال، كما حدث في مناطق اخرى من العالم. تلك الثقافات هي التي افرزت احداث سبتمبر في النهاية، وتلك الثروات هي التي مولت ذات الاحداث في الخاتمة، في حلف غير مقدس بين المال والتعصب، وفق الرؤية الاميركية بطبيعة الحال.

وفي هذه المنطقة تقبع اسرائيل، والتي هي ليست مجرد حليف استراتيجي للولايات المتحدة، بقدر ما انها امتداد وتجسد ثقافي وسياسي للولايات المتحدة والعقل الغربي، في مشرق معاد لهذه الثقافة وذاك العقل. وفي هذه المنطقة يقبع ما يقارب السبعين في المائة من احتياطيات نفط العالم، عصب الحركة في عالم اليوم حتى يتم اكتشاف بديل اكثر عملية، ولذلك فإن السيطرة على هذه المنطقة هي من اولويات تكوين الامبراطورية الاميركية الجديدة، لا سيطرة عسكرية وحسب، فهذه مسألة قد تكون الاقل اهمية، ولكن ربط هذه المنطقة بالعالم المحيط ثقافيا في المقام الاول او حتى اجبارها على المعاصرة والدخول في ثقافة العولمة وآلياتها، ومن هنا ندرك مغزى وأهمية المشروع الاميركي في «دمقرطة» هذه المنطقة من العالم. لذلك، في تقرير الكاتب على الاقل، فإن التغيير في العراق، ليس الا خطوة في اتجاه خطوات اخرى لاعادة تشكيل الانظمة السياسية والثقافية في المنطقة او ربما حتى اعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، بما يكفل امن اسرائيل اولا، وذلك عن طريق الحل اللاحق للمسائل المستعصية في القضية الفلسطينية، وبما يكفل زرع انظمة سياسية متحالفة مع الراعي الاميركي، ومحاولة زرع ثقافة سياسية جديدة لا تفرز ارهابا ولا تهديدا للنظام الدولي الجديد الذي تحاول اميركا ان تبنيه. والسؤال اليوم ليس عن العراق، فهذه قضية قد حسمت، ولكنه حول من يكون التالي. ايران وسوريا والسعودية، الحليف التاريخي لاميركا في المنطقة، كلها مرشحة لان تكون محل فعل اميركي معين بعد الانتهاء من العراق.

فبالنسبة للسعودية، فرغم انها حليف تاريخي للولايات المتحدة، الا ان احداث سبتمبر جعلت الاميركيين ينظرون بقلق الى الثقافة السعودية السائدة، التي يعتقدون انها هي الحاضن الفكري لتيارات العنف الاسلامي في العالم، بالاضافة الى الدور التمويلي السعودي وفق التصور الاميركي الجديد. وعلى ذلك يبدو ان السيناريو السعودي هنا يركز على إحداث نوع من التغيير السياسي والثقافي في السعودية، بما يكفل نزع الجذور الفكرية التي ادت الى احداث سبتمبر، وعلى ذلك فإن السعودية، ووفقا لسيناريوهات متعددة طُرحت او لنقل سُربت من خلال وسائل الاعلام الاميركية والعالمية، تشكل هدفا محتملا من الاهداف الاستراتيجية لليمين الاميركي القابض على مفاتيح القرار السياسي في واشنطن اليوم، من حيث اعادة صياغتها جغرافيا مثلا، وهو سيناريو بعيد الاحتمال ولكنه ليس مستحيلا، او إعادة صياغتها ثقافيا وسياسيا، وهو سيناريو ليس بعيدا بتلك الدرجة او في تحجيم دورها الاقليمي في احسن الاحوال، بغض النظر عن تلك العلاقة التاريخية التي تربط السعودية بالولايات المتحدة. فمهما قيل عن تلك العلاقة التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة الاميركية، فإن ذلك لن يمنع الولايات المتحدة من السير في تحقيق استراتيجيتها الجديدة احتراما لعلاقة تاريخية «كانت» مفيدة في ظروف مختلفة. فالسياسة لا تعرف صديقا دائما ولا عدوا دائما.

ومن هذا الفهم لطبيعة السياسة، يبدو ان السعودية ستواجه ضغوطا اميركية، معظمها متعلق بالوضع الداخلي السعودي. الجهود الدبلوماسية الفوقية لا شك في فائدتها واثرها الوقتي، ولكن دون سحب الاوراق التي من الممكن ان تُلعب اميركيا بالنسبة للداخل السعودي نفسه، فإن تلك الجهود قد تتحول الى نوع من المسكنات وتأجيل المشكلة او الجهود الضائعة واللعب في الوقت بدل الضائع. فالسياسة في البداية والنهاية، هي لعبة تقوم على حقائق ارضية، وبدون تلك الحقائق لن تكون الا لعبة عبثية او مجرد احاديث تسلية في مجلس عام. والولايات المتحدة فرضت واقعا جديدا ومختلفا من خلال نصرها في حرب العراق واسقاط نظام صدام حسين، وهي من خلال هذه الوقائع الجديدة في المنطقة تنطلق وتحدد ما تريد وما لا تريد، وفق سياسة العصا، وحتى دون جزرة هذه المرة. العراق ليس الا خطوة اولى وضرورية لأحداث كبيرة سوف تشهدها المنطقة بعد ذلك، فالايام حبلى، والمخاض قريب، والله اعلم بالوليد.

ولكن المشكلة هنا او لنقل الاشكالية بالنسبة للولايات المتحدة هي ان السعودية احدى اهم القوى الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط، ومحور مهم من محاور الاستقرار في المنطقة، ونقطة ارتكاز اساسية في المنظور الامني الاميركي للمنطقة. كل هذه العوامل قد تدفع الولايات المتحدة للتعامل بحساسية معينة مع «الحالة السعودية»، وهي حساسية نابعة من ما يمكن تسميته بالمفارقة الاميركية في هذه الحالة. فمن ناحية، فإن الاستقرار في السعودية ركيزة اساسية من ركائز الاستراتيجية الاميركية العامة في المنطقة والحفاظ عليه مسألة حيوية بأي سعر كان. ومن ناحية اخرى فإن الاوضاع الداخلية السعودية، السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، خاصة بعد حوادث سبتمبر، لم يعد ينظر اليها بعين الرضا اميركيا. ومن هنا تنبثق الاحجية: كيف يمكن الحفاظ على الاستقرار في ذات الوقت الذي يجب فيه تحفيز التغيير؟ فالتغيير المبتغى، خاصة السياسي والثقافي، لا بد ان يحمل معه بعضا من عدم الاستقرار، وخاصة في دولة ومجتمع يعتبر التقليد فيهما الركيزة الاقوى في الاستقرار السياسي والاجتماعي، بل هو اساس شرعية الدولة والمجتمع، كما انه لا يمكن التكهن بما يمكن ان يؤول اليه تطور الاحداث فيما لو حصل ذلك. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فإنه لا ضمانة لدى واضعي السيناريوهات من ان التغيير المشار اليه، قد لا يفرز قيادات جديدة متعاونة مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن التغيير قد يكون مناقضا للمصلحة الاميركية في المنطقة عموما، حتى لو كان الشعار المرفوع هو شعار الديموقراطية وحقوق الانسان. حقيقة لا ادري كيف يمكن للولايات المتحدة حل هذه الاشكالية، ولكن ما ادريه هو ان قطع الطريق على مثل هذه السيناريوهات وبالتالي التخلص من ورقة ضغط فاعلة هي في اليد الاميركية حاليا، لا يكون الا من خلال القيادة السعودية ذاتها، وذلك بتأسيس جديد او لنقل اعادة تأسيس للدولة والمجتمع.

وسوريا ذات نظام سياسي شبيه بالنظام العراقي، وبالتالي فإنها مرشحة لأن تكون حجر عثرة في طريق السيناريو الاميركي لمستقبل المنطقة، ومن هنا تبرز ضرورة تغيير النظام السوري، سواء عن طريق الاقناع او غير ذلك، ان كان الاقناع مستحيلا. بالاضافة الى ذلك فإن سوريا تعتبر من الداعمين الرئيسيين لحزب الله في لبنان، وهو الذي تعتبره اميركا ضمن المنظمات الارهابية، والمهدد الرئيس لأمن اسرائيل في المنطقة. وبذلك فإن تقليم اظافر النظام السوري او حتى تغييره هو الضمانة الاولى لرفع الغطاء عن حزب الله في لبنان، بالاضافة الى ان ارتباط سوريا ولبنان في مسار واحد يعرقل من امكانية مسار التطبيع مع اسرائيل، ومن هنا كان لا بد من طريقة لفك هذا المسار، حتى لو كان ذلك عن طريق تغيير النظام ذاته. ذات الشيء يمكن ان يقال عن الحالة الايرانية، وموقفها من اسرائيل ومن حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، خاصة حزب الله والمنظمات العاملة داخل الارض المحتلة. ترويض النظامين السوري والايراني خطوة حاسمة من اجل نزع جذور المقاومة ضد اسرائيل، وخلق وضع يمكن معه مواصلة عملية السلام بما يتوافق ومحددات الامن الاستراتيجي الاسرائيلي، كما هو متصور.

والفلسطينيون بدورهم قد يشكلون احد المتضررين المحتملين نسبيا للنصر الاميركي في العراق. فجزء من الاستراتيجية الاميركية في هذا المجال وكما يبدو، هو فرض حل نهائي وكلي للقضية الفلسطينية، وذاك لن يكون بالضرورة وفق الرؤية الفلسطينية للمصلحة الفلسطينية. كلمات كثيرة نسمعها تتسرب من هنا وهناك حول التوطين والتهجير واعادة التوزيع الديموغرافي، ونحو ذلك، قد تجد لها مجالا في التطبيق، سواء كليا او جزئيا، وذلك حسب المستجدات الطارئة او التي لم تؤخذ في حسبان واضعي السيناريوهات. ونحن نقول انهم من المتضررين قياسا بالفرص التي كانت متاحة في السابق، وليس مما قد يتحقق بما هو اعلى مما يملكه الفلسطينيون اليوم، فلقد اضاع الفلسطينيون الكثير من الفرص التي لو استغلت في حينها، لكان الوضع اليوم غير الوضع بالامس.

وبعد النصر الاميركي ـ البريطاني في العراق، سيكون هنالك كما يبدو ضغط على اسرائيل لقبول حل الدولتين (اسرائيلية وفلسطينية)، ولكن حدود الدولة الفلسطينية قد لا ترضي المفاوض الفلسطيني، ومن ثم تضيع فرصة تاريخية اخرى. المهم، وفي مرحلة «الباكس اميركانا» القادمة، هو القبول بأي شيء، طالما ان ذلك سيقود الى ظهور الدولة الفلسطينية، وذلك كما فعلت اسرائيل نفسها حين قبلت قرار التقسيم. ومن حقيقة وجود هذه الدولة يمكن الانطلاق حين تتغير الظروف وتظهر معادلات جديدة. حقيقة ليس المراد هنا اعطاء وصفات لسلوك الدول هنا او هناك حول ما يجب فعله، فكل المراد قوله هو ان الوعي السليم والسلوك المناسب في الوقت المناسب هو وصفة الوصفات لديمومة الفاعلية واستمرار الوجود بعيدا عن مقولات الشجب والرفض والمكابرة وبعيدا عن محاولات تحقيق ما لا يمكن ان يتحقق.

اعادة «انشاء» العراق، سواء من ناحية شكل الدولة او نظام الحكم، سوف يضرب عدة عصافير بحجر واحد، وفق تصور واضعي السيناريوهات: فمن ناحية، هو اعادة لتشكيل العلاقة بين المكونات العرقية والطائفية للمجتمع العراقي (سنة، شيعة، اكراد، واعراق اخرى)، بالاضافة الى انها قد تشكل «ارضا للميعاد» بالنسبة لفلسطينيي الشتات، وحتى فلسطينيي الاراضي المحتلة ان امكن. فترحيل الفلسطينيين الى العراق، او انشاء عراق جديد يكون الاردن مثلا (المستودع الاكبر للفلسطينيين) جزءا منه بهذا الشكل او ذاك، يؤدي الى حل مشكلة اللاجئين من ناحية، وضمان كثافة سنية في العراق، حيث كان السنة دائما قاعدة الاستقرار السياسي في ذلك البلد، دون الدخول في نقاش حول كيف كان ذلك. هذه الكثافة التي تتحول الى صمام امان فيما لو طمعت ايران في جنوب العراق او استطاعت الاغلبية الشيعية الحالية في العراق ان تسيطر على الحكم، وذات الشيء ينطبق على الاكراد، ولكن من الناحية العرقية هذه المرة. هذه مجرد سيناريوهات نعتقد انها مطروحة في اروقة صناعة القرار الاميركي، ولا ندري عن الخطط التي من الممكن ان تنبثق من هذه السيناريوهات. كل ما نستطيع ان نؤكده هنا منطقيا، في ظل غياب معلومات اكيدة، هو ان العراق والاردن والفلسطينيين واسرائيل، منظور اليهم كمشروع واحد. والحقيقة التاريخية تقول ان الهلال الخصيب كان دائما يتعامل معه على انه وحدة واحدة او صفقة واحدة، سواء في العصور الحديثة او القديمة. والسؤال المهم هنا هو عن كيفية صياغة معادلة تشمل هؤلاء جميعا. فالعراق الجديد سيكون بالنسبة للولايات المتحدة، مثل عراق ما قبل 1958 بالنسبة للبريطانيين، ولكن ليس بالضرورة بذات الشكل. وليس بعيدا في مثل هذه الحالة، ان يقوم تحالف استراتيجي معين بين العراق الجديد وبين تركيا واسرائيل والاردن وبرعاية اميركية كاملة شبيه بحلف بغداد الشهير وان اختلفت الاهداف هذه المرة.

وفي ايران ورغم الاعتدال النسبي الاخير في السياسة الخارجية والانفتاح الداخلي الملحوظ، الا ان ايران تبقى بالنسبة للولايات المتحدة محورا من «محاور الشر»، طالما انها لا تتخلى بشكل كامل عن كامل آيديولوجيا الثورة. من ناحية اخرى، فإنه وبغض النظر عن النظام السياسي السائد في ايران، فإنه يبقى للدولة الايرانية مصالحها وتطلعاتها الاستراتيجية الاقليمية، بغض النظر عن شكل نظام الحكم. مثل هذه المصالح والتطلعات لا بأس بها طالما كانت جزءا من الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة في المنطقة وتحت اشرافها، ولكنها تصبح عاملا خطيرا فيما لو لم تكن كذلك. ومن هنا فإنه لا محيص عن محاولة تغيير النظام السياسي في ايران، ان لم يغير هو نفسه، من اجل الانسياب السلس «لصفقة الهلال الخصيب»، كما يمكن ان تسمى.

في كتاب له صدر عام 1961 بعنوان «ماذا جرى في الشرق الأوسط؟» انهى ناصر الدين النشاشيبي كتابه بسؤال: «ماذا جرى في الشرق الأوسط؟» واجاب بالقول: «لا شيء.. لا شيء مطلقا!» اما نحن فنقول: «ما الذي سيجري في الشرق الأوسط؟»، ونجيب بالقول: «الكثير.. الكثير جدا».