سوريا.. هدف سياسي أم عسكري؟

TT

بدأت في واشنطن حملة منظمة بقائمة اتهامات موجهة نحو الحكومة السورية خلقت جوا يمكن تسميته بالتهديد الغامض، ليغير المناخ أو السياق الذي تتحرك فيه العلاقات السورية الاميركية. فما هي الاتهامات ومن وجهها وما جدية التهديد؟ وما هو الهدف منه؟ هل الهجوم على سوريا جزء من مسلسل بدأ لنظرية التغيير في الشرق الاوسط ام انه ضغط سياسي يصب في اعادة تشكيل الشرق الاوسط سياسيا لا عسكريا؟ في هذا المقال سأحاول الاجابة على هذه الاسئلة وتقديم تصور نهائي أرى انه قريب الى الصواب.

في سطر واحد يمكن القول بأن سوريا هدف سياسي وليس عسكريا. ولكن معطيات الوصول الى هذه النتيجة اهم من النتيجة ذاتها. ولكي نعرف ذلك اعود بالقارئ الى مقالات بدأت في كتابتها منذ عام واكثر حول المفاهيم الحاكمة للسياسة الامريكية في الشرق الاوسط، مقالات ظن البعض انها تكتب للترويج لهذه السياسة تفاديا منهم لادراك حقيقة الأمر. اذ اذكر هنا انه رغم صرامة التحليل وخلوه من العواطف التي تناصر موقفا بعينه، إلا ان ما قلته على صفحات هذه الصحيفة ومنذ اكثر من عام أكدت الاحداث صحته وستؤكد الاحداث المقبلة صحة الباقي منه.

يمكن تصنيف الاتهامات الامريكية لسوريا في خانتين، وهما المفهومان الحاكمان اللذان طرحتهما هنا من قبل. انهما: السلام كمفهوم منظم للعلاقات بين الدول في المنطقة، وهذا السلام ليس سلاما سياسيا بقدر ما هو سلام أمني، اي عدم القبول باعتداء دولة على أخرى، وهو سلام لا يخص اسرائىل، رغم انه من الممكن ان يقال انه سلام من أجلها في الوقت ذاته.

عراق صدام حسين كان عقبة في تحقيق السلام، وكان ايضا عقبة في تحقيق اي اصلاح سياسي. عقبة للسلام لأن النظام لم يكن قابلا بالدخول في مفاوضات سلام لا مع اسرائيل، ولا حتى مع الكويت، لذلك ـ ومن منظور الادارة الامريكية ـ كان حتميا ازالة هذا النظام العقبة.

ولكن هل العراق في عهد صدام هو سوريا في عهد بشار الأسد.

بالطبع هناك فارق كبير ونوعي بين ادارة الرئيس الاسد وبين ادارة صدام حسين. لكن، مع ذلك تتشابه الاتهامات التي كما ذكرت تقع في خانتين لا ثالث لهما. خانة الحل السياسي في المنطقة، أو السلام كمفهوم منظم للعلاقات بين الدول المختلفة في المنطقة. وخانة الحرب ضد الارهاب والتي يرى الامريكيون انها في مرحلتها الثانية، وحتى نتذكر، قلت على صفحات هذه الجريدة ومنذ عام ان الحرب على الارهاب هي حرب ذات مراحل ثلاث وتمتد مدتها في التفكير أو التقدير الاستراتيجي الامريكي لمدة ثلاثين عاما، قلت هذا قبل ان يطرح جيمس وولس في كالفورنيا اخيرا ان المدة تصل الى اربعين عاما. المراحل الثلاث هي:

1 ـ ضرب المنظمات ذات الذراع الطويلة التي يصل تهديدها الى الولايات المتحدة. ووضعت الكثير من المنظمات الاسلامية على هذه القائمة، منها حماس وحزب الله والجهاد، واخيرا اضيفت منظمة الاخوان المسلمين الى القائمة، ذلك لانها من وجهة نظر امريكية هي الحركة الام المولدة لهذه التيارات.

2 ـ ضرب الدول الراعية للارهاب. وقد بدأت بنظام طالبان في افغانستان، ثم تلاه نظام صدام في العراق، ومن يدري من بعد ذلك؟ هل هي بالفعل سوريا كما تشير المؤشرات؟

3 ـ المرحلة الثالثة تشمل تجفيف الينابيع عن طريق تغيير السياق الذي تسير فيه السياسة في العالم العربي، ومعنى ذلك هو خلق سياق ديموقراطي لا يمنع وقوع هذه الاحداث (11 سبتمبر) مرة أخرى وانما ايضا يوجهها وجهتها المحلية، اي ان كان هناك غضب محلي فإنه يوجه الى الحكومات وليس الى امريكا.

اذا ما نظرنا الى الاتهامات الموجهة لسوريا في هذا السياق فإننا نرى ان الاتهامات وضعت بشكل صارم في سياق الخانتين أو المفهومين الكبيرين اللذين يحددان ملامح السياسة الخارجية الامريكية. اتهمت الادارة الامريكية سوريا بملكيتها لاسلحة دمار شامل، واتهمتها ايضا بإيواء قيادات عراقية هربت من الحرب، واتهمتها ايضا بمعاونة وتبني حركات مثل حزب الله والجهاد الاسلامي. كل هذه الاتهامات تقع تحت مظلة الحرب ضد الارهاب. كذلك اتهمت واشنطن القيادة السورية بانها قيادة شابة تنقصها الخبرة وتحركها الكوادر القديمة، وبالتالي فهي ليست ادارة تلبي أو تعكس رغبات الشعب السوري، اي انه يجب ان يكون هناك اصلاح سياسي يقصي الحرس القديم عن السلطة ويسمح بظهور قيادات جديدة. كذلك اتهام سوريا بعلاقتها بحزب الله يعني ان هناك علاقة عضوية تربط سوريا بواحدة من دول محور الشر وهي ايران وان لم ينقطع هذا الحبل الذي يربط ايران بسوريا فستعتبر الادارة الامريكية ان سوريا وايران دولة واحدة، كما ان ايواء سوريا لقادة من حزب البعث العراقي بعد الحرب حسب الاتهام الامريكي يعني ان الرابط الآيديولوجي بين بعث العراق وبعث سوريا ما زال قائما ولا خلاف أو فرق بينهما كما يطرح السوريون، لذا يكون طلب الادارة ايضا ان لم تسلم سوريا هؤلاء الى الولايات المتحدة، فإن امريكا لن ترى فارقا بين بعث سوريا وبعث العراق. ان لم تحدث حالة فصل بين سوريا وايران بالتخلي عن حزب الله، وفصل بين بعث العراق وبعث سوريا بتسليم القيادات العراقية، فهذا يضع سوريا في خانة الدول التي تخالف الحرب ضد الارهاب ومعاييرها الصارمة في تصور صقور الادارة الامريكية. هذا الرد ربما يعطي البعض انطباعا بأن سوريا اصبحت في مرمى بنادق العسكرية الامريكية. ربما، ولكن من وجهة نظري هذه ليست الأولوية الامريكية الآن، ولدي اسبابي في ذلك وسأعرض لسبب جوهري واحد هنا نظرا لضيق المساحة. هذا السبب ينحصر في ان الولايات المتحدة، وبعد انهيار نظام صدام وجدت نفسها متورطة وبشكل غير مسبوق في رمال الشرق الاوسط. هذا التورط العسكري كان ينقصه ومنذ البداية الغطاء السياسي، متمثلا اما في شرعية دولية من خلال قرارات الامم المتحدة أو حتى شرعية شعبية نظرا لوجود مظاهرات عارمة ضد الحرب في كل دول العالم تقريبا. لذا يجب انتاج هذا الغطاء السياسي اقليميا، ولا يمكن انتاج هذا الغطاء الا من خلال ايجاد حل للصراع العربي الاسرائيلي من خلال خارطة الطريق. وتفيد معلوماتي بأن ضغطا سريا حدث على اسرائىل نفسها، اذ قال مسؤول امريكي كبير لشارون: «اننا نحتاج اليك لتوفير الغطاء السياسي لعملنا العسكري». أي ان نجاح امريكا في العراق مرهون بتحرك شارون تجاه السلام. وكان رد شارون هو ان سوريا هي المفتاح. واعتقد ان السوريين محقون عندما يقولون ان اسرائىل هي التي وضعتهم في فوهة المدفع الامريكي، ولكن ليس لأن اسرائيل هي صاحبة المطلب كما يرى السوريون، ولكن لأن امريكا هي التي طلبت من اسرائيل ذلك.

ولكن لكي تقبل اسرائيل بالطرح الامريكي لا بد من تهديد سوريا كي تقبل بنفس الطرح ايضا. لكل هذا بدأت الحملة على سوريا. أي ان سوريا مرة أخرى هي هدف سياسي وليست هدفا عسكريا.

وليس لدى سوريا كثير من الاوراق. فلوحة الشطرنج في المنطقة قد تغيرت، اذ خرج منها لاعب اساسي وهو صدام حسين وحلت امريكا محله أو على الاقل حل محله المارينز. هذا التغيير على لوحة الشطرنج يعطي اللعبة نكهة جديدة، ويعطي اللاعبين الامريكي والاسرائيلي حرية حركة اكثر. بينما قد تحاول سوريا التسويف أو خلق مصدات كلامية أو دبلوماسية، لكن تبقى الظروف الحاكمة للعبة هي عدد القطع الموجودة فعليا على اللوحة.

وللحديث صلة