في انتظار الثلج

TT

تقول «الصنداي تلغراف» انه تم العثور في بغداد على وثائق تظهر الخطط العسكرية التي وضعها الرئيس العراقي الضائع من اجل مواجهة الحملة الاميركية. وبين الوثائق مذكرات او اوامر يومية اصدرها صدام حسين الى قادة القوات العسكرية حول شن حرب مدن ضد القوات المهاجمة. وفي احد تلك الاوامر يقول الرئيس المهيب ان الجنود العراقيين «يجب الا يطاردوا العدو باعداد كبيرة عندما يكون بعيدا عنا» بل يجب بدل ذلك ان ينتظروا وصول الاميركيين الى الاماكن المكتظة بالسكان و«من ثم يقدمون على استخدام وسائل بسيطة وذكية» كمثل السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية. واصدر صدام تعليمات الى رجال القيادة بالانتشار في طول بغداد وعرضها «وحتى تحت اشجار النخيل». وكان يحلو لاحد العسكريين العرب الذين تولوا السلطة، ان يهب دائما لمساعدة الفلسطينيين في محاربة اسرائيل بان يهتف من بلاده قائلا: «حاربوهم بالنبابيت».

كان المارشال جوكوف وزيرا للدفاع في الاتحاد السوفياتي ايام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وفي تلك المرحلة ايضا خسر عبد الناصر سيناء. وبعد الهزيمة امتلأت مصر بالنكات اكثر من اي مرحلة اخرى، وكانت احداها تقول ان مدرسا مصريا سأل تلامذته، من هو اهم بطل عسكري، فاجابوا انه الجنرال جوكوف. وسأل المدرس تلميذا صغيرا، كيف اثبت جوكوف ذكاءه كقائد عسكري، فاجاب انه استدرج الجيش الالماني الى ستالينغراد ثم راح ينتظر هطول الثلج الذي اطبق عليهم جميعا وألحق بهم الهزيمة.

وعاد المدرس يسأل، ومن هو اهم قائد عسكري عربي، فاجاب تلميذ صغير، «انه المشير عبد الحكيم عامر» فسأل المدرس، وكيف ذلك، فاجاب التلميذ «لقد استدرج الاسرائيليين الى سيناء وها هو الان ينتظر سقوط الثلج، اهو بقا مستني الثلج»!

كانت لصدام حسين عقد كثيرة، اعمقها انه لم يستطع دخول الكلية الحربية وهو فتى يعيش في عائلة بائسة. ولذلك عندما كبر واصبح هو العراق المدني والعراق العسكري والعراق الاقتصادي والعراق الطبي والعراق النفطي والعراق الادبي، اصر على ان يلحق بنفسه جميع الالقاب والرتب العسكرية، وان يضع هو خطط الحروب وان يحول جميع قادة الاركان الى انفار يؤدون التحية العسكرية و«يثمنّون» الخطط التي وضعها القائد، ومضى الى ابعد من ذلك عندما ارغم كل من حوله من «قياديين» على ارتداء البزة العسكرية، وكان المشهد اليومي الذي يعرض في بغداد، صورة لرجال عسكريين يتحلقون حول القائد وهو يدخن السيجار الهافاني على طريقة ونستون تشرشل، ولم يظهر الاستاذ طارق عزيز في اي صورة او مؤتمر صحافي في الخارج، الا والسيجار الهافاني بين اصابعه، ولا ادري ماذا كانت رتبة الاستاذ محمد سعيد الصحاف العسكرية، لكنه لم يكن من هواة السيجار، الا انني اعرف من صديق مشترك انه كان يحب الشوكولاته على انواعها. وكانت اثمن هدية تقدم اليه علبة من الشوكولاته اللبنانية الصنع.

واظهر الاستاذ الصحاف، الذي كان اخر من ظهر من رجال النظام، خبرة خاصة هو ايضا في القضايا العسكرية، ولا شك انه خدع فيمن خدعوا، او انه كان ماهرا لدرجة خدع معها جميع الناس. وفي مؤتمره الاخير بدا الرجل الاخير وكأنه يتوقع معركة يتحول فيها مطار بغداد الى مقبرة للعلوج، اذ يخرج المقاتلون من الانفاق المحفورة لملاقاة الغزاة. لكن تبين انهم خرجوا قبل وصول العلوج. وربما، او الارجح، بالاتفاق معهم، فيما كان ساحر الاعلام العراقي لا يزال يوزع الموت كما يوزع اقراص الشوكولاته.

اسرار كثيرة سوف تدفن تحت تراب بغداد، لعل اهمها السر العسكري الكبير، الذي جعل القائد يقاتل 8 سنوات في ايران فيما تسقط بغداد في اليوم الثامن. او الساعة الثامنة. انتشروا في كل مكان، حتى تحت النخيل. وانتظروا الثلج.