جندي المستقبل نصف عالم!

TT

التقنيات على مختلف اشكالها أصبحت من أكثر الامور تطلبا في الحياة العسكرية اليوم. فهي تسير جنبا الى جنب مع العلوم العسكرية والستراتيجيا والدراية بمواصفات الاسلحة واستخدامها، إذ ان ظهور الأسلحة الذكية، وتلك المسددة بواسطة الاقمار الصناعية، فضلا عن الرادارات وأجهزة الاتصالات الحديثة، ومعدات الاستشعار والمراقبة الالكترونية التي تدار كلها الان بواسطة الكومبيوتر فرضت واقعا جديدا يتوجب معه على الجنود والضباط والرتب الاخرى ان يكونوا انصاف مهندسين، إن لم يكونوا مهندسين كاملين. ثم ان تحول الانترنت الى سلاح فعال في المعارك والاتصالات العسكرية عزز هذا الواقع وجعل من المواد العلمية على مختلف تخصصاتها تقريبا مادة تدرس في الكليات والاكاديميات العسكرية. فلا غرو ان نرى اليوم ضباطا يتخرجون من هذه المعاهد الحربية الشهيرة وهم يحملون شهادة ايضا في الهندسة الميكانيكية او الكهربائية، أو درجة علمية في الرياضيات أو الفيزياء.

نظرة فاحصة واحدة على رواد الفضاء كمثال صغير، وهم أفضل ما يمثلون جنود اليوم، لكون أغلبهم، هم إما ضباط حاليون أو سابقون في اسلحة الجو والبحرية والمارينز، ليتبين انهم يجمعون تماما، وبكل معنى الكلمة، بين علوم التقنية العالية وخبراتهم العسكرية والانضباطية. فنيل أرمسترونغ وأدوين الدرين اللذان كانا أول من هبطا على سطح القمر العام 1969 كانا عسكريين، الاول خدم طيارا مقاتلا في سلاح البحرية الاميركية، والثاني كان مايزال في رتبة عقيد في سلاح الجو الاميركي.

مناسبة هذا الحديث ان الكليات العسكرية الاميركية، وعلى رأسها ويست بوينت (الجيش) وأنابوليس (البحرية) وكولورادو سبرينغس (الطيران) شرعت بعد حرب العراق مباشرة في إعداد جندي المستقبل، فأقامت أخيرا مناورات في الفضاء المعلوماتي اشترك فيها تلامذتها، فحملوا كومبيوتراتهم النقالة الى ميادين العمليات مرتدين بزات الميدان المرقطة. وقد دخل طلبة كل اكاديمية في معركة الكترونية شرسة ضد تلامذة الاكاديمية الاخرى محاولين اقتحام المواقع «المعادية» والتعتيم عليها. وكان الطلبة، كل على جهازه، يحاول تحليل خطوة الخصم والرد عليها بسرعة وكفاءة.

إن تمارين الدفاع المعلوماتية هذه هي موضوع جديد دخل مواد التدريس في هذه الاكاديميات عندما أخذ الجنود عن طريق شبكة انترنيتية خاصة التمييز بين التشكيلات الصديقة والعدوة في ساحة المعركة، وعدم الخلط بينها، وبالتالي التعرض للنيران الصديقة وللفوضى والهزيمة. وكان العراقيون طيلة الحرب الاخيرة يحاولون التعتيم الكترونيا على أجهزة الاستشعار والتسديد في الطائرات والمدرعات الاميركية. حتى انهم حاولوا من دون أي نجاح التشويش على الاقمار الصناعية التي تستعين بها صواريخ «كروز» الجوالة والقنابل الذكية التي تلقيها الطائرات، علاوة على استعانة القوات الاميركية بها في النظام الذي يدعى نظام تحديد الموقع العالمي (جي بي إس) للملاحة الالكترونية، ومعرفة وجهتها داخل الاراضي العراقية، ومحاولة التخلص من الكمائن التي تنصب لها في حال انحرافها عن طريق الصحيح. وهذا ما حدث تماما لوحدة استطلاعية صغيرة تعطلت ملاحتها الالكترونية فتاهت قبل ان تسقط في الاسر العراقي.

المعلوم ايضا ان جميع عمليات التصوير والاستطلاع والاستكشاف الحديثة والانصات واستراق السمع على الاتصالات تعتمد اليوم على الاجهزة الرقمية الالكترونية التي يتطلب تشغيلها، وتشغيل المعدات الحديثة، طائرات وسفنا ودبابات وصيانتها، ودراية واسعة، وإلا فإن الفشل فيها كالفشل في إطلاق النار تماما.

معنى الكلام ان الحرب الحديثة باتت تدار بالازرار والروبوتات والكومبيوترات، لاسيما ان بمقدور القادة العسكريين الجلوس على مسافة الاف الكيلومترات عن ساحة القتال وإدارتها رقميا عن طريق شاشات الفيديو في الوقت الفعلي. من هنا فأي إنقطاع أو تشويش لخط الاتصالات هذا يعني الفرق بين الهزيمة والانتصار، وهذا ما أكدته حرب العراق التي استطاع البنتاغون ان يستخلص منها عبرا كثيرة أخذ في تطبيقها فورا كما في المثال البسيط اعلاه لاعداد جنود نصف علماء.