حرب عالمية يتفق عليها الجميع

TT

من الصعب، إن لم يكن مستحيلا، ان يتفق الرأي العام العالمي كله على دعم ومساندة حروب السلاح. فالحروب، مثل التي شهدها العالم في العراق، وقبله في افغانستان، والتي تجري في فلسطين، تفرق ولا تجمع. ولكن ثمة حروبا اخرى اذا اندلعت اتفق بنو البشر على وجوب خوضها متحدين. انها حروب تثبت بين الحين والآخر ان العالم هو بالفعل قرية كونية، مثلما هو حاصل الآن في الحرب ضد فيروس «سارس» الذي يتسبب في مرض رئوي قاتل. فالعالم كله متحد في التصدي لانتشار هذا الفيروس، سواء كان ذلك بالمال أو بالخبرة العلمية أو بجهود الأبحاث.

وبعد أن نجح العلماء في تحديد نوع الفيروس المسبب للمرض، يعكفون الآن على محاولة إيجاد علاج فعال له. وهنا أيضا يتحول العلم من الانشغال في إنتاج أنواع السلاح المتطور، إلى الانشغال في اكتشاف عقار مضاد لفيروس «سارس»، ولا شك ان مثل هذا الجهد الجماعي يعمق روابط البشرية بدلا من تعميق انقساماتها، وهو ما يتجسد ايضا في مؤتمر وزراء الصحة لدول شرق آسيا، الذي التأم في ماليزيا وحضره وزراء الصحة في الصين وكندا واليابان، وبعد أيام ينعقد في بانكوك اجتماع رؤساء حكومات الدول التي شهدت إصابات بالمرض، وفي هذه الاجتماعات توظف البشرية أفضل ما لديها من علم ومن تعاون لخدمة الإنسان والمستقبل.

وثمة ظاهرة أخرى تلفت الانتباه في الحرب ضد «سارس»، وهي ظاهرة الاستقالات المتتالية لعدد من كبار المسؤولين في الصين، اعترافا منهم بالتقصير في احتواء الفيروس، أو التقصير الوقائي، وعندما يؤدي كل تقصير أو فشل في المجتمعات الى استقالة المسؤولين عنه، أو إقالتهم، يطرأ تحسن كبير على أداء المجتمع ككل.

إن الحرب ضد فيروس «سارس» هي أول حرب عالمية في القرن الواحد والعشرين للحيلولة دون انفجار وباء يهدد البشرية جمعاء، وقد سبق للبشرية أن واجهت أوبئة مثل الكوليرا والتيفوس والجدري والملاريا ونجحت في التصدي لها جميعا. ولو اتحدت جهود العالم لحل قضاياه المعيشية والاجتماعية والسياسية الأخرى، كما تتحد ضد «سارس»، لحققت البشرية إنجازا عالميا للحضارة الإنسانية ينقلها من حال إلى حال.