اقذفوا الأميركيين بالتهم لا بالمدائح

TT

فقط المؤدلجون، وكذلك البلهاء، هم الذين يصرون على كل شيء او يرفضونه كله، خاصة عند تعاطي المسائل المتشعبة.

هذه حزمة من الاقوال المكررة التي تقال تبريرا لرفض الاميركيين، وهي، في حقيقة الأمر، تصلح مبررات للقبول بهم، فالقول ان الاميركيين غزوا العراق ليفرضوا الديمقراطية على المنطقة لا يصلح حجة لرفضهم، بل يصلح مبررا لحضورهم.

اتهامهم بانهم جاءوا لفرض الحريات الفكرية، هو الآخر دعوى تستوجب الترحيب بهم، مع ان البعض يرددها حجة ضدهم.

ترويعنا بالقول انهم جاءوا لقمع انظمة عربية متسلطة، او ازالتها، يصلح في الواقع لطمأنتنا، فهل قمع او قلع حاكم قتل مليونا من مواطنيه وعجز شعبه عن التخلص منه يعتبر عملا سيئا؟ قطعا، سيشهد التاريخ انه كان عملا حضاريا وانسانيا وضروريا.

القول انهم جاءوا لتغيير المناهج هو الآخر عامل جذب لا نفور، فمناهجنا من الرداءة وعدم المواكبة والعجز عن خدمة المجتمع مما يحتم تغييرها حتى تصبح اداة بناء لا اداة جمود فلا ننسى ان نابليون ادخل المطبعة الى مصر بجيش جرار فغير وجه البلاد الحضاري.

هذه الحجج تخدم الحضور والوجود الاميركي لا تلغيهما، والا من منا لا يعتقد بضعف المناهج وسوء التعليم؟ أيضا، اليس صحيحا ان عدد المؤمنين بانظمة المشاركة الشعبية ديمقراطية او غيرها يتزايد؟ هل بينكم من لا يرى حاجة الى الاصلاح الاداري والسياسي في منطقتنا؟

لهذا عندما يعير البعض الاميركيين بالديمقراطية والاصلاح والتجديد والحريات هو في الواقع يمتدحهم وسيخسر الجدل مع تقادم الوقت.

وإن اردنا ان نصم الاميركيين في هذه الأزمة بعيوب فهي كثيرة، اولها فقدانها للشرعية الدولية، التي يجب ان نلح عليها لاسباب مستقبلية حماية للنظام العالمي القائم الذي انهى مرحلة الاستعمار القديم. فالاميركيون بلا اذن من الامم المتحدة سيظل وجودهم عملا غير قانوني ومطعونا فيه.

من عيوب الاميركيين عدم شروعهم، حتى الآن على الأقل، في تأسيس نظام شرعي في العراق يختاره العراقيون، وانهم لم يفرضوا حلا لأم الأزمات، اي القضية الفلسطينية.

اذاً، فالعيوب التي يمكن ان يرجم بها الاميركيون كثيرة. أما تطوير المناهج واصلاح المنطقة وحماية الحريات، لو كانت صحيحة، فما هي الا اوسمة تعلق على صدورهم. وهنا اذكركم بمطالب الاميركيين بمحاربة الفساد في اروقة السلطة الفلسطينية. فرغم احتجاج البعض، ونعتها باقبح الاوصاف، الا انها اثبتت فعاليتها لصالح الشعب الفلسطيني، بل وعززت السلطة نفسها. والشيء نفسه قيل عن ضغط الاميركيين على السلطة الفلسطينية لاجراء انتخابات وفصل السلطات وتقليص سلطة الحاكم الاول وتوزيعها على البرلمان والقضاء والحكومة. مع الوقت تبين انها تهم حميدة، في حين ان سلبيات الاميركيين في الموضوع الفلسطيني كثيرة مثل الخنوع الدائم لقوى الضغط الصهيونية، وعدم مناصرة المظلوم المحتلة ارضه، والتهاون في تطبيق قرارات مجلس الامن، والكيل بمكيالين، وهي جميعها تهم ثقيلة وصائبة.