تلك هي القضية

TT

خيَّ! ارتاحت الأمة وتمطت. اخبار سارة في كل مكان، والمصير باهر والدنيا بهاء. والقضية الفلسطينية، المعروفة ايضاً بالقضية المركزية، بلغت غايتها الاخيرة بعد النكسات والنكبات والثورات والانقلابات والكفاح المسلح والنضال العظيم. لقد اتفقا. حيِّ الشهداء في قبورهم والاحياء في ضرائحهم. من المحيط الى الخليج. ومن البحر الى النهر. ومن بغدان الى تطوان. تمنَّوا نتائج الثورة وصفقوا للعودة وهتفوا للقدس. لا نكبة بعد اليوم ولا نكسة ولا هزيمة ولا مخيمات ولا مجاعات ولا ذل ولا اعاشات ولا اونروا ولا مشردين. لقد اتفقا. حيوا الرجلين. حيوا الضفتين. حيوا الرافدين. حيوا النيلين، حيوا الاكبرين. حيوا الاصغرين. حيوا الامة برمتها، اثنين اثنين.

لقد كان هذا الشعب الفلسطيني يموت قهرا وجوعاً ومخيمات طوال نصف قرن من اجل ان يعرف شيئاً واحدا. وها هو يعرفه اخيرا: محمد دحلان وزير دولة للشؤون الداخلية وليس، كما خيل الى جنابك، وزير داخلية كاملاً مكتملاً.

انه الحل المثالي الذي ينتظره الشعب الفلسطيني: لقد ارضينا ابو عمار بعدم تعيين المتمرد دحلان وزيرا من الفئة الاولى. وأرضينا ابو مازن بتوزير دحلان ومنحه قبضة الحقيبة بدل الحقيبة نفسها. وهكذا تركنا ابو عمار غاضبا نصف غضبة وابو مازن تركنا له النصف الآخر من غضبة بني مضر. اما الشعب الفلسطيني في عموم الارض فقد قدَّمنا له كل ما يتمناه: الاتفاق التام بين ابو عمار وابو مازن، على ان تكون القضية الكبرى هي هذه: دحلان مقابل شعث، ام عريقات مقابل فياض؟ لكن لا احد يعرف حتى الآن ان كان الوزراء ينتمون الى رئيس الحكومة ام الى رئيس السلطة، ام الى عموم الروساء في كل مكان؟ واي مكان. فالقضية المركزية للشعب العربي تمَّر الآن في «ادق مراحلها». حكومة «جديدة» بعد اربعين عاماً على منظمة التحرير. و«رئيس» للحكومة للمرة الاولى منذ ايلاء الرئاسة الاولى والثانية والثالثة الى الرئيس الدائم. والشعب الفلسطيني في الانتظار يكاد يموت من شدة القلق: دحلان ام لا دحلان؟ شعث ام لا شعث؟ عريقات في اريحا ام عريقات في غزة؟ تؤلف ام لا تؤلفان؟

وهذا الصف الطويل من الشهادة يتأمل من خلف الغيم: مَن مِن الموفدين نرسل الى غزة لاقناع اصحاب القضية بضرورة القبول بالحل الوسط. حلوها يا اخوان: يعود الأمن الوقائي الذي جاء تحت عباءة ابو عمار، تحت عباءة ابو مازن. ويغيب ابو جهاد، رمز الطهارة ومرحلة الشهادة الكبرى، لكن يتم الاصرار على حضور ام جهاد. وتتأمل غزة في الشتات الطويل والمخيمات التي لا نهاية لها، لكنها لا تلبث ان ترى الحل آتيا في جلباب الاتفاق العظيم بين رجال الثورة: دحلان للداخلية مع الحق باصدار الاوامر من دون الحق بتوقيعها. قوموا تعانقوا. العالم بخير. العراق يدفن اسلحة الدمار الشامل ويسير في جنازتها، ويبتهج بالحرية والديمقراطية وعبوس المستر رامسفلد. والاخ عمر سليمان في غزة وسيطاً عاجلاً ومعه ثقل مصر: دبروها! والعالم العربي سعيد وهانئ وشديد الاغتباط. والوثائق التي لم تحترق في العراق تثبت انه في الوقت الذي كان يعد للحريق الكبير، كان العز للنفط مقابل السمسرة وليس مقابل الغذاء. وزوار بغداد كانوا يصرحون عن الحرب والسلام ويوقعون على العشرة في المائة. خالص مخلَّص! اعتمدت؟ اعتمد. مبروك. تلك هي القضية.