حوبة الكويت أم مرحمة الكويت؟

TT

الحوبة كلمة عراقية شعبية يقصدون بها انتقام الله من انسان عقاباً على اساءته لانسان آخر. ترى المرأة العراقية في معاناتها من زوجها تشق ثوبها وتفتح صدرها الى السماء وتصرخ: «يا ربي اعطيني حوبتي!» فينهال عليها زوجها بمزيد من الضرب. طوروا هذا المفهوم الى المستوى السياسي فراحوا يعللون ما حل ببلدهم من المصائب فيقولون هذي حوبة الحسين. يقصدون انتقام الله منهم على تغريرهم بالحسين رضي الله عنه ثم التخلي عنه بل وقيامهم بقتله. يقولون احيانا حوبة علي (رضي الله عنه). ويتندرون في ذلك فيروون أنّ عراقيا ذهب للامام الشافعي اثناء الحج واستفتاه وقال انه اخذ يعاني من كل هذا الذباب في المسجد. فهل يعتبر حلالاً أم حراماً اذا قتل ذبابة في بيت الله الحرام؟ سأله الامام من اي بلد انت؟ قال من العراق. أجابه قائلاً انتم يا اهل العراق كان عندكم الامام علي بن ابي طالب، خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، ابن عم رسول الله وزوج فاطمة الزهراء ووالد الحسن والحسين، وبينما كان يصلي في المسجد ضربتموه بالسيف وقتلتموه. وانت الآن تسألني هل هو حلال ام حرام اذا قتلت ذبانة في المسجد؟

ولكن العراقيين اعطوا مفهوم الحوبة بعض العصرنة والحداثة في السنوات الاخيرة. راحوا يقولون كل هذه المصائب هي حوبة الملك الطفل. يقصدون بذلك قتل فيصل الثاني واسرته رجالاً ونساء في 14 تموز 1958 دون اي ذنب اقترفوه. في الاسبوع الماضي سمعت بعض العراقيين يقولون ما حصل في هذه الحرب وفي اعوام الحصاد من جوع ومرض كان كله حوبة الكويت، عقاب من الله على ما فعله عساكر صدام اثناء احتلال الكويت. وهذا شيء جميل ومشجع اذ نرى احداً من الامة العربية يعترف بخطئه. ربما بعد قرنين او ثلاثة سيظهر ايضاً من يفكر باصلاح ذلك الخطأ.

ولكن الجميل حقاً هو ان الكويتيين لم ينظروا لما حصل من زاوية الحوبة. لم يتشفوا بالعراقيين. بل بالعكس، شعروا بألم ممض لما اصاب اخوانهم في العراق. فمن اليوم الأول لحرب الحرية، اسرعوا بل وتسابقوا مع الجيش البريطاني يحملون المساعدات من ماء وغذاء ودواء لسكان صفوان وأم قصر والبصرة، بادرت الحكومة الآن الى رصد ملايين الدنانير لمساعدة العراق.

لم يأت ذلك من باب الرياء او الخوف او التقية. طوال سنوات الحصار الطويلة، كان يبعثون بمساعداتهم لجارتهم الكبرى. شقيقتهم الكبيرة، ورغم المرارة الطبيعية التي شعروا بها مما جرى لبلدهم اثناء الغزو، فانني حيثما التقيت بكويتيين، كانوا يغمرونني بحبهم وتعاطفهم، يستضيفونني في بيوتهم. ويدعونني الى بلدهم اربع مرات. نجلس ونروي حكايات الاحتلال كطرائف ونكات، نضحك ونتعاطف. كانوا يدركون تماماً ان ما جرى لهم قام به وحوش من وحوش صدام تأنف منه نفس العراقي الاصيل. كيف لا ـ كانوا يقولون ـ وكلنا اسرة واحدة؟ هذا اخوه متزوج بعراقية وذاك اعمامه او اخواله عراقيون من البصرة او الزبير.

حدثني قبل ايام قليلة فقط، الزميل قاسم عبد القادر، رئيس تحرير مجلة «المجالس» الكويتية، فقال يا خالد كنا والله نبكي في الكويت عندما سمعنا عن اخواننا في ام قصر يتضورون عطشاً ونحن نحمل اليهم الماء. ابناء الرافدين، بلد المياه والانهار يستجدون الماء من الكويت؟

وصلتني رسالة من اخت كويتية تقول لم يفهم نظام صدام غيرنا نحن اهل الكويت وانتم اهل العراق وادركنا معاً ضرورة اسقاطه. كل العرب الآخرين اساءوا الفهم ودافعوا عن صدام. لم يفهموا حقيقته.

في الشدائد يعرف الصديق من العدو. وفي هذه الشدة التي عاشها وما زال يعيشها العراق عرف العراقيون ان لهم في الكويت لا مجرد اصدقاء وانما اخوان واهل وعشيرة.

ماتت الوحدة العربية! فلتعش الوحدة العربية، وحدة الخوة والعمومة والخؤولة، وحدة التآزر عند الملمات.