قاتل الله المزايدة

TT

منذ خمسين سنة والعرب يمارسون المزايدة على بعضهم البعض. كثير من العرب يزايد على الفلسطينيين ـ بالكلام طبعاً ـ وكلما لاحت بارقة أمل في حل سياسي يعيد للفلسطينيين وطنهم ويبدأ ببناء ارض صالحة للعيش بسلام زايد بعض العرب على الفلسطينيين وطالبوهم برفض كل مبادرة سلمية باعتبارها استسلاماً.

المثير للسخرية ان اكثر المتشددين العرب هم اقل الناس عطاء للفلسطينيين وقضيتهم، فهؤلاء يعطون للفلسطينيين الخطب الحماسية والوعظ والنصائح بالتشدد ولكنهم لا يقدمون شيئاً سوى الكلام الفارغ، في حين يعاني الفلسطينيون من مصادرة اراضيهم واقتلاع اشجارهم وقتل شبابهم.

التاريخ يعيد نفسه فالكثير من العرب يزايد الآن على العراقيين ويطالبهم بمقاومة الاحتلال واستخدام العنف، بل ان كثيراً من المعلقين والكتاب ما زال يشيد بالنظام المقبور. وكلما قال العراقيون ان نظام صدام حسين كان نموذجاً للاستبداد والبطش رأينا الكثير من العرب يتحدث عن وطنية ذلك النظام. وعندما يقول العراقيون اننا نطالب بانسحاب اميركا ولكن بعد تشكيل حكومة واستباب الأمن، وان خروج قوات التحالف من العراق الان قد يؤدي الى صدامات وتدخلات اقليمية، صاح الصائحون في بعض العواصم العربية واشتعلت حرب الفتاوى الدينية والخطب القومية الرنانة تنادي وتطالب الشعب العراقي بالمقاومة وباستخدام السلاح لان هؤلاء المزايدين لن يخسروا شيئا غير الكلام والبيانات والشعارات بينما قد يدفع العراقيون دمهم ومستقبل بلدهم لو تصرفوا على هدى وافكار المزايدين في بعض العواصم العربية.

اليست تجربة «المجاهدين العرب» نموذجاً صارخاً لحفلة المزايدة. فبينما كان غسيل دماغ عدد من الشباب العرب الذين اقتنعوا بان الدفاع عن نظام صدام هو جهاد في سبيل الله وموقف قومي عظيم، كان ان فوجئ المجاهدون العرب بان العراقيين كانوا يدلون الاميركان على مواقع هؤلاء الشباب، وان العراقيين تركوا مواقعهم وظل هؤلاء الشباب وحدهم، كما بينوا هم انفسهم ذلك في الصحافة وعلى شاشات التلفزيون.

حملة المزايدة دفعت مئات الشباب العرب الى سجون غوانتانامو عندما اقتنعوا بما يسمى بالجهاد الافغاني، ودفعت بمئات الشباب الملخص الى معركة في العراق معروفة نتائجها مسبقاً، مع ان هؤلاء الشباب جاءوا من دول تعيش مأساة اقتصادية واجتماعية ويعيث فيها الفساد وتمارس فيها السرقة والظلم، ولكنهم بدلاً من محاولة اصلاح بيوتهم ذهبوا تحت راية المزايدة الى «اصلاح» بيوت غيرهم، فكانت المأساة مركبة والنتائج مأساوية تثير الشفقة، بل ان بعض الفلسطينيين الذين يعيش شعبهم تحت كارثة الاحتلال ذهب لتحرير افغانستان والعراق بدلاً من ان يعين شعبه وهو امر يستحق البحث والتأمل.