عندما فوجئت بالسيناتور غراهام معي في ندوة مشتركة

TT

حين وصلت إلى واشنطن للمشاركة في ندوة في مجلس العلاقات الخارجية، بناء على دعوة السفير ريتشارد مورفي، وجدت انهم وزعوا دعوات للحضور وان الذي سيظهر معي في الندوة هو السيناتور بوب غراهام. والسيناتور بوب غراهام كان قد زار سوريا منذ قرابة عام والتقى الرئيس بشار الأسد، وكان اللقاء هاماً ومتميزاً، ولكنه حين عاد إلى واشنطن أطلق تصريحات غريبة ومريبة حول حزب الله، وكتبت في ذلك الوقت رسالة جوابية عليه نشرت في «الهيرالد تربيون» ولم أتخيل يوماً أن منصة واحدة يمكن أن تجمعني معه لأي سبب كان.

وحين عبرت عن استغرابي للسفير مورفي إزاء هذا القرار، أكد لي انه لم يكن مسؤولا عنه ولكنه يعتقد أنها فكرة جيدة لأن السيناتور غراهام قوي جداً ومرشح لرئاسة الجمهورية ومن المفيد جداً استمرار الحوار معه. حاولت بعدئذ أن أكون المتحدث الثاني كي ارد على ادعاءاته لكنني لم استطع، فقررت أنني سأبذل جهدي، خاصة أن مواقف بلدي واضحة ومشرفة لكل إنسان عاقل ويمكن لي أن أقارب المواضيع بطريقة تجعل الخلاف بيننا صعباً.

تحدثت عن دور الإعلام في تشويه أو إخفاء الحقائق، وان ما رأيناه نحن في العراق خلال حرب ظالمة ولا مشروعة يختلف تماماً عما رآه الشعب الأميركي. فقد رأينا الأطفال تقتل والمتاحف تنهب والمنازل والأسواق تستهدف والمكتبات تحرق، بينما رأوا هم خرائط تضع بغداد والنجف وكربلاء نقطاً على خرائط مجردة من التاريخ والهوية والمكانة العظيمة التي تمثلها هذه المدن في نفوس العرب والمسلمين. وقد رأى الشعب الأميركي جنرالاته يتحدثون عن دقة القنابل الذكية والكفاءة العالية للقوات الأميركية المدربة، بينما رأينا نحن الطفل علي اسماعيل عباس وقد بترت ذراعاه وفقد كل أفراد عائلته في قنبلة سقطت فوق منزلهم البريء. وقد رأى الشعب الأميركي النصر في العراق، بينما رأينا نحن الفوضى والسرقة والدمار وقطع المياه والكهرباء وافتقار المشافي إلى ابسط الأدوية والخدمات الطبية، ولذلك فإن مشاعرنا تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط مختلفة تماماً. وتحدثت أيضاً عن حب سوريا للسلام وعملها من اجل سلام عادل وشامل، وقارنت ذلك بسياسة شارون القائمة على استراتيجية القتل والتدمير وإخضاع الفلسطينيين وكسر إرادتهم.

وحين تحدث السيناتور غراهام، عبّر عن تقديره العالي للرئيس بشار الأسد، وللشعب السوري الكريم والمضياف، ولدور سوريا الإيجابي والبناء في الشرق الأوسط، ولكنه تحدث أيضاً عن معلومات استخباراتية تحذر من أخطار حزب الله على الأمن في الولايات المتحدة والسلام في العالم. ودار بعد ذلك حوار بناء وتفصيلي مع السيناتور ومع الجمهور حول حزب الله وفلسطين والعرب وإسرائيل، كما تطرقت أسئلة الحضور أيضاً إلى جميع هذه المواضيع، وكان اللقاء يبث مباشرة على الأقنية التلفزيونية، ومع أن نقاط الخلاف ظلت قائمة إلا أن مساحة الخلاف تقلصت في نهاية اللقاء واستطاع الجمهور على الأقل أن يطلع على وجهة نظر مغايرة لوجهة نظر السيناتور في مجمل قضايا المنطقة، وكان الجو إلى حد بعيد حضارياً حيث الاختلاف لا يلغي الاحترام لوجهة النظر الأخرى، حتى وإن لم تتولد القناعة بها. وبعد اللقاء سارعت وسائل الإعلام المختلفة تسألني عن مجمل قضايانا، واتاح لي أن اقدم الأجوبة التي أرغب أن يسمعها الشعب الأميركي.

إن إحدى الحقائق المعروفة هنا، هي أن تركيز الشعب الأميركي قصير الأمد، فقد بلغت نسبة المهتمين بأخبار أفغانستان اليوم 12% فقط ويتوقع أن تصبح نسبة المهتمين بأخبار العراق مماثلة خلال شهر أو شهرين على الأكثر. الأحداث تتدافع هنا وتتسابق كي تحظى بالاهتمام، وأخبار الحروب والصراعات والعنف لها السبق والأولوية في أذهان الجميع. وإذا ما ذكرت شيئاً اليوم لا تتوقع أن يتذكره الآخرون خلال شهر أو شهرين، بل عليك أن تعيده وتكرره على مسامعهم طالما انك مهتم بموقف لهم في هذا الصدد. والخلاف هنا لا يفسد للود قضية، فأنت تتناول القضايا الهامة لك مع أقسى أعداء هذه القضايا، بل ويجب فعل ذلك إذا ما أردت التأثير عليهم وتغيير مواقفهم لصالحك.

لقد شعرت في نهاية المساء أن الولايات المتحدة بالفعل جزيرة بعيدة جداً عن منطقتنا وعن كل ما يدور بها، ولا بد أن يكون لقضايانا حضور مستمر هنا عبر وسائل الإعلام المختلفة، وعبر جميع القنوات المتاحة، كي لا تبقى هذه الساحة فريسة للدعاية الصهيونية التي تقلب الحقائق رأساً على عقب.

إن جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يرتكب الجرائم اليومية بحق الشعب الفلسطيني يرفده جيش آخر هنا من المحللين والمفكرين والإعلاميين يشرحون بشكل يومي ما يجري في المنطقة من وجهة نظرهم للشعب الأميركي، ولذلك فإن هذا الشعب البعيد والمنشغل بهمومه اليومية يحكم على ما يسمعه ويقرأه ويراه وليس على ما يجري على أرض الواقع هناك في منطقة بعيدة وغريبة ومجهولة، ولذلك فإن حضور دعاة الكلمة والفكرة هنا هام بأهمية حضور المقاتلين والمدافعين عن الأرض والكرامة والحقوق، لأن حملة الكلمة والرأي هم الذين يستثمرون تضحيات المقاتلين كي لا تذهب سدى دون أن يسمع بها أحد أو يفهم واقعها ومبتغاها، والساحة الأميركية ساحة واسعة ومفتوحة ولا تحتفظ بعداوات دائمة أو صداقات دائمة بل ترتب معطياتها كل يوم وفق أحداث ومجريات ذلك اليوم.

خرجت من الندوة أنوء تحت عبء المسؤولية الضخمة الملقاة على عاتقنا جميعاً نتيجة ضخامة وأهمية المساحة التي لم نستثمرها بعد.

*كاتبة سورية