العراقيون ليسوا بحاجة إلى وصاية

TT

لم يتردد وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد في توجيه تحذير مباشر الى ايران من مغبة التدخل في لعبة تجاذب القوى السياسية الذي تشهده الساحة العراقية منذ انهيار حكم صدام حسين. ولكن الوزير الاميركي مضى خطوة أبعد من ذلك حين قال ان واشنطن لن تسمح بقيام حكم في بغداد مماثل لما هو قائم في طهران.

لا شك ان واشنطن معنية بما سيؤول اليه الوضع في العراق، وكذلك الامر بالنسبة الى لندن، بحكم انهما العاصمتان اللتان قادتا عملية تغيير النظام العراقي بالقوة المسلحة.

لكن الاهتمام بما ستستقر عليه اوضاع العراق لا يمكن ان يكون مقتصرا على واشنطن ولندن فقط. ولا شك ان كبار الساسة والمتنفذين في العاصمتين يدركون ذلك جيدا، ويدركون ايضا ان دول الجوار العراقي مجتمعة معنية قبل غيرها، وربما اكثر من غيرها، بما يجري في العراق.

بيد ان هذا الاهتمام لا يعني، ويجب ألا يعني، مبررا لتدخل دور الجوار في شؤون الجار العراقي. ان العراقيين يمرون بمرحلة صعبة، وهم أشد ما يكونون خلالها في حاجة للمساعدة على تضميد الجراح وتقريب المسافات. ولن يخدم العراق من يحاول تغذية مشاعر التفرقة بين العراقيين، او اللعب على اوتار لعبة تجاذب القوى التي من الواضح انها تشتد يوما بعد يوم.

ان العراقيين بحاجة الى المساعدة، لكنهم ليسوا في حاجة الى الوصاية من أحد، بمن في ذلك الاميركيون والبريطانيون. يجب ان يكون لدى العراقيين من الوعي ما يعينهم على سلوك الطريق الصحيح، وصولا الى الاتفاق على نظام الحكم الذي يوفق بين الواقع والأماني، ويحفظ للعراق استقلاله ووحدة كيانه وحرية أبنائه.

من هنا، فإن عدم تدخل دول الجوار في شؤون العراق لترجيح كفة فريق او فئة على فئات او فرقاء آخرين، هو من الأهمية بمكان. وفي السياق نفسه، فإن تخلص الشعب العراقي من دكتاتورية نظام صدام حسين، يجب ألا يقود الى دكتاتورية من نوع آخر. وكلما ابتعدت كل الاطراف عن فرض وصايتها على العراقيين، أمكن لهم ان يكونوا احرارا في اختيار النظام الذي يريدونه، والذي يجب ان يعوضهم عما عانوه خلال الثلاثة عقود الماضية.