بين مجرمي العراق وأبريائه

TT

هناك مهمة شائكة امام العراقيين تتعلق بالمصالحة الوطنية والتعامل بروح جديدة مع الماضي، وهي قضية معقدة بسبب كمية الدمار النفسي التي مورست ضد المواطنين العراقيين تحت حكم صدام حسين واضطرار الكثير منهم الى قبول عضوية حزب البعث او تمثيل دور البعثيين والمدافعين عن النظام خوفا من بطش النظام او طمعا في مصلحة شخصية دون ان يتورطوا في قتل ابرياء او ايذاء احد.

كيف يمكن تمييز القتلة والمجرمين الذين ارتكبوا المخازي ضد العراقيين عن اولئك الذين اضطرتهم ظروفهم الى العمل في الحزب او في السلك الدبلوماسي في الخارج او في اي موقع سياسي دون ان يؤذوا احداً، وكيف يمكن منع عمليات الثأر او عمليات تصفية حسابات شخصية او سياسية في بلد يكفي فيه ان تقول ان هذا ضابط سابق عذب الابرياء، او هذا طبيب قطع آذان الفارين من الخدمة لينقض عليه الناس ضربا وركلا دون ان يتأكدوا من هويته!!

في مقابلة مع احدى قريبات طارق عزيز قالت تلك السيدة «ميخائيل طيب ولكن الملعون (صدام) هو الذي ورطه»، وفي لقاء مع رجل كبير في السن في تكريت قال «لا اعرف ان كان صدام طيبا أو شريرا، لكن الأكيد ان الحاشية هم سبب البلاء»! وبين مقولة ان ميخائيل (طارق عزيز) طيب، وان صدام ورطته حاشيته اسئلة حائرة كثيرة، فصدام مجرم وطارق عزيز مجرم آخر، ولكن ماذا بشأن آلاف العراقيين الذين اضطرتهم ظروفهم للعمل مع النظام السابق وماذا بشأن عشرات الدبلوماسيين الذين كانوا يدافعون عن النظام المقبور صباحا ويشتمونه ليلا عندما يتأكدون بأن «الحيطان ليس لها اذان»، وعائلاتهم مرهونة في بغداد وهم يتوزعون على سفارات العراق في الخارج.

امام العراقيين مهمة صعبة في التفريق بين الذين تورطوا في دماء العراقيين وعذبوهم وسرقوا اموالهم واعتدوا على حرماتهم، وبين الآلاف من الذين اضطرتهم الظروف الصعبة او اغرتهم مصالح شخصية ضيقة فدخلوا الى حفلة التأييد للنظام وللحزب دون ان يؤذوا احدا، وهي مهمة يجب ان تنطلق من مبدأ التسامح واعادة تأهيل هؤلاء المواطنين مع عدم افلات المجرمين والقتلة من العقاب تحت حجة التسامح، وواضح ان المقتنعين والمدافعين عن النظام كانوا قلة وهو امر يفسره مغادرة ارض المعركة والقاء السلاح من طرف ملايين ممن سلحهم النظام البائد تحت اسم جيش القدس او فدائيي صدام او غيرهم ممن اضطروا للالتحاق بهذه المنظمات الوهمية ولكنهم القوا سلاحهم في اول مواجهة لعدم اقتناعهم بالنظام وبالدكتاتورية.

العراق بحاجة الى كل ابنائه، وبحاجة الى اعادة تأهيلهم جميعا وهو امر يتطلب قدرة كبيرة على الحسم مع المجرمين والقتلة، والتسامح مع المغرر بهم ومن اضطرتهم ظروف القمع الى العمل مع النظام، والمهم ان يتم ذلك كله بروح الرغبة في بناء عراق جديد على انقاض عقود من الكراهية والاحقاد.