العولمة روائياً!

TT

يعتقد الكثيرون أن الفن الروائي يستمد أحداثه وشخوصه من خيال جامح لروائي فنان، وأن ما يجعل الروائي يتفوق ويتميز على روائيين آخرين هو رحيق تجاربه الحياتية المتمثلة في أحاسيس ومشاعر يبثها في ثنايا النسيج الروائي لتخاطب قلب وعقل قارئ مجهول في مكان قصي على الجانب الآخر من الأرض قد يجد في كلمته السلوى والعزاء.

لكن هناك نوعاً من الروائيين يجدون متعتهم في إنشاء رواية تعتمد أحداثا حقيقية وأشخاصاً حقيقيين لهم مكانتهم.. وأسماؤهم في تاريخ الإنسان، ومن هؤلاء الروائيين المفتونين بإعادة رواية التاريخ بشخوصه وأحداثه الروائي الفرنسي الجزائري الأصل دينيس جيدج الذي رجع في آخر رواية له بعجلة الزمان إلى الوراء حتى وصل إلى عصر البطالمة والسنوات التي ازدهرت فيها مكتبة الإسكندرية القديمة لكي يروي لنا الفترة التي اتسمت بولع البطالمة بالمعرفة وبتخريج العلماء.

تناول دينيس جيدج في روايته «شعور بيرنيس» قصة حياة «ايراتوسن» أول عالم جغرافيا حاول جاهداً أن يستنتج محيط الكرة الأرضية ويقيس طول نهر النيل بالخطوات، وحتى يكتب المؤلف الوقائع والأحداث الحقيقية بصدق فقد كان عليه أن يرى عدداً من الأبحاث استغرقت منه عامين كاملين حتى أمكنه أن يتخيل أحداثاً وشخصيات مضى عليها ثلاثة وعشرون قرناً ليبث فيها الحركة والحياة والحوار والأفكار والمشاعر.

أهم ما يتميز به الكاتب جيدج، المولع بعلوم الرياضيات وبالحساب والقياس، هو قدرته الفائقة على تحويل حقائق الحساب والرياضيات إلى أدب روائي شيق يحمل في طياته خبرة بفن السينما وبتجارب صحفية عديدة، وكذلك يتميز بقدرة على عقد أواصر الوفاق بين الفرنسيين والعلوم.

منذ بداية الثمانينيات اتجه دينيس جيدج إلى تاريخ العلوم لكي يكتبه روايات مثل رواية «المريديان» 1987 التي انتهج لنفسه فيها أسلوباً جديداً يجمع بين العلمي والأدبي والتاريخي ويبشر بلغة جديدة تناسب عصر العولمة الذي بدأ يتشكل بقوة بالرغم من كل المعارضين له المتخوفين من شروره ومظالمه.

في روايته الأخيرة «نظرية الببغاء» التي وصلت مبيعاتها إلى نحو مائتي ألف نسخة وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة، أراد الكاتب الفرنسي الجزائري الأصل دينيس جيدج أن يبرهن على صحة نظريته التي تقول بأن العلم قد يؤدي بالمشتغل به والمحب له إلى ولوج باب الأدب وفنونه.