غياب أم... غيبوبة؟

TT

إلى متى تبقى الدول العربية خارج النطاق العملي لـ«المسألة العراقية» بعد انهيار نظام صدام حسين؟

يصعب الرد على هذا السؤال في وقت لا يمكن الحديث عن وجود رؤية عربية أو موقف، أو حتى مجرد تصوّر عربي موحّد حيال المستقبل الأفضل للعراق، واستطرادا لمنطقة الشرق الأوسط والخليج!

ويصعب الردّ على هذا السؤال في وقت يبدو الاطار التنظيمي للعمل العربي المشترك، والمقصود هنا الجامعة العربية تحديدا، نهبا للفراغ والخيبة والضياع وفقدان الاتجاه، بعد مرحلة الانقسامات العميقة التي سبقت الحرب على العراق.

ويصعب الرد ايضا، لأن الجامعة الآن في ظل تواتر الحديث عن وجود دعوات إلى إعادة بنائها وفق قوانين وأطر تنظيمية جديدة، تبدو في حال من التعطيل، وهو تعطيل يضاف إلى حال التفكك المزمن الذي أوهن أوصالها.

ما نواجهه ويستدعي طرح السؤال اساسا، هو الحديث عن السعي إلى تشكيل ما تسمّيه الولايات المتحدة قوة استقرار في العراق، وهي قوة تطوعية لا تحتاج إلى تفويض من الأمم المتحدة، بما يعني ان المشاركة في عداد هذه القوة لا تحتاج، عمليا، لا إلى قرارات دولية من مجلس الأمن ولا إلى تغطيات معنوية من الجامعة العربية مثلاً. ففي استطاعة أي دولة أن تشارك في هذه القوة، إذا وجدت مساحة كافية من التفاهم مع أميركا تحديدا. وهناك، بالمناسبة، عدد غير قليل من الدول العربية يملك مثل هذه المساحة.

فكرة تشكيل قوة الاستقرار طرحها وزير الدفاع البريطاني جيف هون، في اجتماع عقد في لندن الأسبوع الماضي، وحضرته 16 دولة. حيث قيل ان المطلوب هو تأسيس هذه القوة على أساس تطوعي، أي انه لا يحتاج إلى تكليف بل إلى حماسة، او على الأقل، رغبة في لعب دور.

ولقد ذُهل البعض عندما قرأوا أن دولاً مثل بولندا وأوكرانيا وبلغاريا أبدت رغبة في المساهمة بقوات تشارك في قوة حفظ الاستقرار في العراق، بينما لم يظهر في هذا السياق اسم أي دولة عربية.

المثير أن أحد المسؤولين الأميركيين الذين شاركوا في الاجتماع، قال ان بعض الدول العربية يريد أن يلعب دورا، لكنه يخاف من تقسيمات أثنية أو دينية، وخصوصا بعد الحديث عن اتجاه لجعل العراق ثلاث مناطق أمنية.

وجه الإثارة هنا يكمن في أن الذين يخافون من أشباح التقسيم، يمكنهم امتلاك قوة أكبر في رفض هذا التقسيم، إذا كانوا على الأرض ضمن قوة الاستقرار المقترحة، أكثر من الاستمرار في الاعراب عن مخاوفهم من بعيد.

ثم ان وجود دولة او دول عربية عدة في اطار هذه القوة، يساعد في اعطاء لون عربي للاستقرار المطلوب عراقيا في هذه المرحلة، إلاّ إذا كانت الدول العربية متمسكة بأسلوب السلبية حيال بناء النظام الجديد، وهو أمر ليس لمصلحتها ولا لمصلحة العراق.

وإذا كان البعض يرى ان المشاركة في هذه القوة يمكن ان تعطي شرعية للحرب الأميركية على العراق، فإن من الضروري ان تجد البراغماتية طريقا إلى رؤوس هؤلاء، فالسلبية لن تغيّر الأمر الواقع الآن في العراق، ومن الأجدى أن يكون للعرب حضور يساعد في ضبط الاستقرار بما يساعد على إبعاد شبح التقسيم الذي يعارضه الجميع. إلاّ إذا كنّا نسلّم بأن لأوكرانيا وبولندا دوراً في عراق المستقبل أكثر مما للدول العربية، وهو أمر يفترض أن يكون موضوع نقاش جاد وموضوعي على المستوى الفردي وفي اطار الجامعة العربية.

لكن الجميع ما يزالون في الغيبوبة التي تركها زلزال الحرب على العراق، أما الجامعة فإنها إمّا في التنظير وإمّا في تلمّس ملامح الوجه الجديد الذي يتردّد انه قد يُعطى لها!