الحجاب في فرنسا

TT

من المفارقات التي تستدعي الملاحظة انه في ايران التي يحكمها عمليا رجال الدين نجد الفتيات من الاجيال الجديدة يتحدين القانون الذي يفرض عليهن ارتداء الحجاب ويتلاعبن به بوسائل عديدة اشهرها اظهار نصف الشعر من غطاء الرأس بينما في فرنسا الدولة العلمانية التي توجد فيها تجربة راسخة في احترام الحريات نجد جدلا حول ظاهرة اصرار فتيات مسلمات على الذهاب الى المدارس بالحجاب الى درجة التفكير في سن قانون يمنع ارتداء الحجاب في المدراس.

ومع التسليم بان قيم وتقاليد الشعوب تتفاوت حسب تجربتها التاريخية وتراثها ومعتقداتها، فان هناك قاعدة مشتركة لرد الفعل الاجتماعي على محاولة سن قوانين في قضايا شديدة الخصوصية مثل كيف يرتدي الناس ملابسهم طالما انها في اطار الاعراف المقبولة من مجتمع ما، ولذلك فان تقنين زي النساء في ايران لم ينجح سوى اضطرارا ومصيره الفشل. كما انه من غير المقبول ان يكون منع الحجاب بقانون في فرنسا، فمثل هذا القرار يجب ان يترك للمدارس نفسها وسياستها التربوية.

ومع الاعتراف بان قضية الحجاب يحاول البعض من خلالها ايصال رسالة سياسية معينة سواء من جانب الذين يريدونه او الذين يعارضونه فانه يجب احترام ان الزي جزء من شخصية وخصوصية الفرد وهو احد اوجه الحريات الفردية طالما انه لايؤذي احدا او يخدش الحياء العام، والناس بطبعها لاتحب ان يحدد لها احد ماتلبسه، فالصين التي ظلت لعقود تلبس هذه البدلة الشهيرة الموحدة في عصر ماوتسي تونج، عند اول فرصة تخلت عنها ليعود الناس يرتدون مايريدون.

لكن في فرنسا كما في دول اوروبية اخرى فان مسألة الحجاب هي الجزء الاصغر من قضية اكثر تشابكا وتعقيدا ولابد من الاعتراف بانها اصبحت تمثل هاجسا في مجتمعات غربية كثيرة اصبح فيها جاليات اسلامية تقدر بالملايين وتتعلق اساسا باندماج هذه الجاليات وتعايشها مع المجتمع والاخرين في نفس المجتمع.

وقد أخذ هذا الهاجس حجما مضاعفا مع وصول افكار متطرفة الى بعض اجزاء من الجاليات الاسلامية في اوروبا والمنحدرة من اماكن جغرافية عديدة مختلفة الاهتمامات والمصالح واللغة.

واذا سلمنا بان التعايش والاندماج هو مصلحة مشتركة بين الجاليات الاسلامية في المجتمعات الغربية وبقية فئات المجتمع، فان المسؤولية تصبح مشتركة، وهناك مسؤولية اكبر من جانب الجالية الاسلامية في محاصرة افكار التطرف ومحاولة ايجاد التجربة الخاصة بها والتي تتفق مع ظروف المجتمع الذي تعيش فيه، والتوقف عن استيراد افكار بعض الاتجاهات من مجتمعاتها الاصلية، فما قد يصلح هناك لا يصلح هنا.