الحريري في الكويت

TT

تربطني بالكويت علاقة قدرية عمرها اربعون عاما. ولي فيها من الاصدقاء والزملاء والمعارف والجيران السابقين، ما لي في لبنان. وفي الاونة الاخيرة اكتمل الامر عندما صار لي فيها شتام حاسد وفاجر كما في لبنان ايضاً. خرزة زرقاء. فليس ما يكبرك بقدر صغارة المفترين والحاسدين. وقد كتبت في شؤون الكويت كلها منذ اربعة عقود. وبرغم شغفي بالديموقراطية وبرغم ما قلته غير مرة من ان التجربة الديموقراطية في الكويت والمغرب، هي الاقرب الى التسمية، فإنني ايضاً كنت انتقد الممارسة البرلمانية لدى البعض. والقضايا الصغيرة التي تثار. والمحاسبات الصغيرة ايضا. وكتبت انتقد يوم اعترض نواب احمد السعدون على زيارة وزير تونسي. ويوم هاجموا بالكثير من الثأرية وقلة اللياقة الراحل فيصل الحسيني، اول ضيف فلسطيني رفيع جاء يطلب المصالحة. واليوم اتابع بتقزز الحملة التي ينظمها بعض النواب ضد زيارة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري الى الكويت.

ففي الحملة قصر نظر شديد وافتقار فاضح الى الحدود الدنيا من التهذيب الاجتماعي والمعرفة السياسية. وفيها، بصورة خاصة، نكران رديء لمضامين العلاقة التاريخية بين لبنان والكويت. فالنواب يغيرون موقف الحكومة اللبنانية من العراق في الازمة الاخيرة، وخصوصاً موقف وزير الخارجية السابق، الذي دفع الثمن واخذت منه الحقيبة. وهم يعرفون، على الاقل بالسمع، ان موقف لبنان محكوم باعتبارات واحكام كثيرة. وان لبنان هذا منع الوفد الرياضي العراقي من المشاركة في الدورة العربية، اكراماً للكويت، متحدياً يومها (في ظل حكومة الحريري ويومها كان الاستاذ جان عبيد وزيرا للتربية) الكثير من العناصر. اما ان الحريري استقبل علي مجيد الكيماوي فهذه سفسطة لان الكيماوي جاء مبعوثاً رسمياً لرئيس نظام منهار لم يعد يثق بارسال احد الى اي مكان سوى هذا النوع من اصحاب السير. واذا بحث السادة النواب في دفاتر العلاقة الخاصة بين لبنان والكويت، وجدوا ان المسألة لا تستحق اطلاقاً مطالبة الكويتيين بعدم السفر الى لبنان. فقد كان لبنان منذ اربعين عاماً على الاقل، البيت الصيفي للكويتيين. وهم من اوائل وكبار المستثمرين فيه. ومن جامعاته ومعاهده تخرج الكويتيون منذ الاربعينات. ومنذ الاربعينات ايضا عمل اللبنانيون في الكويت وكانوا جالية مثالية كثرت حسناتها وندرت سيئاتها. ولعب سفراء الكويت في لبنان ادواراً باسم حكومتهم وباسم خصوصية العلاقة، لم تعط لسفير آخر. فقد كان الفرقاء اللبنانيون يرون في سفير الكويت ممثلاً لهم جميعا. واحياناً حكماً فيما بينهم وبين اشقائهم العرب.

وكل هذه الصفحة لا تطوى بهذا الاسلوب الثأري. ولا من مصلحة الكويت ان تترك لبعض النواب ان يصنعوا لها من الخصوم ما لا تحتاج اليه. ولا يليق بالكويت ان يقترع برلمانها على سحب وديعة مالية من بلد آخر. فصدام حسين هو الذي اشتهر بتمزيق الاتفاقات ورميها من النافذة. وهذا الاسلوب في التمنين لا يليق بدولة هي مقر اول واهم صناديق التنمية العربية.

ولا يعني سقوط نظام صدام حسين ان الكويت لم تعد في حاجة الى اصدقاء. كما لا يعني ان تحول الاعلام والبرلمان الكويتي الى هذا الاسلوب الحاد والسهل في التعاطي مع الآخرين، هو ما تحتاجه الكويت سواء سقط النظام العراقي ام لم يسقط فالاخلاق الكويتية لم توضع قياساً بحالة عابرة او قياساً باخلاق دولة اخرى. ورفيق الحريري قادم الى الكويت على رأس وفد حكومي رفيع من اجل انهاء ازمة وليس من اجل الدخول في مجابهة كلامية لا ضرورة لها. واذا كانت الكويت ترى في سقوط النظام العراقي انتصاراً لها، فهذا لا يلغي من الذاكرة كيف كانت اوضاع جميع الدول العربية ومواقفها قبل الحرب او في الايام الاولى منها. واذا كانت دولة مثل مصر قادرة على رفض استقبال علي حسن الكيماوي فذلك لم يكن في مقدور دولة مثل لبنان. السياسة ليست مسألة يومية. والمحاسبة السياسية تأخذ في الاعتبار الماضي قبل الحاضر. وفي ضوء ذلك كان يمكن ان يكون الموقف الكويتي من عمرو موسى اكثر تفهما اذا تذكرنا انه كان وزير خارجية مصر ايام حرب تحرير الكويت. احيانا، يفيد العمل السياسي شيء من الهدوء وشيء من المعرفة.