الفرصة الضائعة (2)

TT

مما يفسّر نجاح المهاجرين اليهود في المجتمع الغربي وفشل المهاجرين المسلمين، هو أن هؤلاء اليهود جاءوا من أوروبا الشرقية واسبانيا يحملون نفس التراث الأوربي، لا سيما في الفنون. ملابسهم ايضا، لم تختلف كثيرا عن ملابس الغربيين، عاداتهم الاجتماعية والعائلية متشابهة. اليهودي الروسي لا يقتل ابنته غسلاً للعار إذا عاشرت انجليزياً، حتى أسماؤهم متشابهة. والعهد القديم يشكل جزءاً أسياسياً من المسيحية والتراث الغربي، مهما حاول المهاجر المسلم ان يتأورب أو يتأمرك، فإن تراثه يبقى فاصلاً بينه وبين جيرانه، لهذا صعب علينا الاندماج والتغلغل.

كل المسرحيات والأفلام والروايات التي انتجها مسلمون، محاولة منهم للاندماج بالثقافة الغربية، انحصرت في محيطها الإسلامي. اعتبر نفسي من أكثر المغتربين اندماجاً، ومع ذلك فكل اعمالي الادبية تناولت شؤونا عراقية أو فلسطينية، لم أفكر يوما بكتابة شيء أدبي عن المجتمع اللندني الذي أعيش فيه.

المشكلة الأخرى هي اننا رغم اكتسابنا الجنسية الغربية، وقسمنا بالولاء للملكة في بريطانيا مثلا، وارتباطنا بمصالح هذا البلد ومستقبله، فإن مشاعرنا ظلت مربوطة بأصولنا العربية. خلال هذه الحرب، اقترحت على بعض الفنانين العراقيي الأصل، ان نشكل فرقة ونزور القوات البريطانية لنرفه عنهم وهم يقومون بالنيابة عنا بما نؤمن به، وهو الإطاحة بنظام صدام، وكتعبير منا كبريطانيين من اصل عراقي عن تضامننا مع جنود من البلد الذي أصبح بلدنا وندين له بالكثير، اعتبر الزملاء مجرد طرح الفكرة خيانة، نريد من الانجليز ان يذهبوا ويريقوا دماءهم وينفقوا الملايين من خزينتهم لمجرد سواد عيوننا ونحن نجلس في بيوتنا نتفرج عليهم على التلفزيون.

هكذا ظل الغربيون ينظرون إلينا كمجرد دخلاء، لكنهم احترموا عواطفنا وتراثنا وسنوا القوانين ضد اي تمييز او اعتداء او إهانة لنا. ظلت جموع المسلمين والعرب تتدفق على الغرب الذي تولى اعاشة واسكان اللاجئين منهم بكل كرم وسماحة. اصبحوا يعطونهم الأولوية حتى على حساب مواطنيهم.. في الاسكان مثلا. بتوالي حركة الهجرة واللجوء اصبحنا نشكل نسبة عالية من السكان. اوضحت احدى الدراسات بأن هذه النسبة ستظل تتصاعد حتى يشكل المسلمون الأكثرية في بريطانيا في نهاية هذا القرن. وربما يشكلون الاكثرية في الاتحاد الأوروبي، اذا انضمت تركيا ودول البلقان واستمرت نسبة الولادة العالية في العوائل المسلمة.

وحتى إذا لم تتحقق الاكثرية المطلقة، فإن المسلمين سيشكلون نسبة عالية من الناخبين تؤثر تأثيراً حاسماً في سياسة أوربا، فما فشلوا في تحقيقه عسكرياً بالسيادة على أوربا، سيحققونه سلمياً بالتدرج.

والآن جاء المتشددون والإرهابيون ليضيعوا على الإسلام والمسلمين هذه الفرصة. فالتصرفات المشينة التي ارتكبوها كتزويج القاصرات وذبح المشتبهات والزواج القسري والاعتداء على النساء والأطفال وذبح الاضحيات في الشوارع، ونحو ذلك من الانتهاكات والتصرفات المزعجة، شجعت الموجة العنصرية للحد من دخول المسلمين والعمل على تهجيرهم. أخيرا جاءت العمليات الارهابية لتجعل المسلم لا مجرد شخص مستهجن وغريب الاطوار، وإنما كشخص خطر تنبغي مراقبته ومحاصرته. أصبحت الجامعات تستبعد المسلمين من دراسة المواضيع الحساسة، بما فيها بعض الدراسات الطبية، وكذلك في اسناد الوظائف، حتى البنوك اصبحت تراقب اموال المسلمين وتحقق في اي تحويلات كبيرة وترفض احياناً حتى فتح حسابات لهم.

هزت بعض الفضائح المتعلقة بالرشوات والاختلاسات والجرائم الاوساط العامة وزادت الشكوك في استقامة المسلمين، اذكر منها مسألة قيام احد النواب المسلمين بعملية رشوة للفوز بالمقعد. وباضافة السلوك الديماجوجي لبعض الأئمة في الغرب، كالافتاء مثلا بقتل الملكة اليزابيث إذا ذهبت إلى ديار الإسلام، واعتبار المجتمع الغربي برمته دار حرب، ومعاملة الغربيين كصليبيين تنبغي مقاتلتهم، يكون هؤلاء المتشددون قد اوصدوا الباب نحو الطريق المؤدي إلى تصاعد التأثير الاسلامي في الغرب، وربما سيادته على المجتمع الغربي في آخر المطاف. هذه هي الفرصة الفريدة التي اضاعوها بجهالتهم وقصر نظرهم.