مطالب أمريكا من سوريا

TT

تبدلت الأوضاع في داخل منطقة الشرق الأوسط بعد سقوط العراق على يد امريكا التي جاءت لمحاربته بقوات لا قبل له بها، حتى تجرده من اسلحته ذات الدمار الشامل، وأدى ذلك، سواء وجدت القوات الامريكية أو لم تجد هذه الاسلحة بأرض العراق، الى فراغ نووي عربي، يضاعف من الخطورة النووية الاسرائيلية في داخل الاقليم.

الاحساس بهذا الخطر النووي الاسرائيلي، جعل سوريا تتقدم في يوم الاربعاء 16 أبريل عام 2003 بمشروع قرار الى مجلس الامن يطالب بجعل منطقة الشرق الاوسط بما فيها اسرائيل خالية من اسلحة الدمار الشامل النووية، وغير النووية. وافقت على مشروع القرار السوري ثلاث عشرة دولة من اعضاء مجلس الامن باستثناء بريطانيا التي امتنعت عن التصويت عليه، وعارضته بالفيتو امريكا، استنادا الى حاجة اسرائىل لهذه النوعية من الاسلحة، لتوازن نفسها مع الدول المحيطة بها وتناصبها العداء، وبذلك تصبح هذه الاسلحة ذات الدمار الشامل النووية وغير النووية في يد اسرائىل، احدى وسائلها الفعالة في الدفاع عن نفسها، وبذلك وأدت واشنطون مشروع القرار السوري في مقبرة ملفات مجلس الامن مع غيره من القرارات التي اعترضت عليها، ومعظمها من أجل «سواد عيون» اسرائىل عند امريكا.

لم تكتف امريكا بالعمل على الاحتفاظ بالفراغ النووي العربي في مواجهة القدرة النووية الاسرائىلية المتفوقة، وانما عملت على اضعاف سوريا بتوجيه الاتهام لها بامتلاك برنامج لتطوير اسلحتها الكمياوية، وحذر وزير الخارجية الامريكي كولن باول سوريا امام الصحافيين في دمشق يوم السبت الماضي 3 مايو عام 2003، قبل اجتماعه بالرئيس بشار الاسد، من الاستمرار في تطوير اسلحتها ذات الدمار الشامل ووصفه بالطريق الوعر الذي يتعارض مع الرؤية الاستراتيجية لاقليم الشرق الاوسط، وكان هذا الموقف من وزير الخارجية الامريكي كولن باول مقصودا يحدد به مسار المباحثات مع الرئيس السوري بشار الاسد قبل الاجتماع به، ولذلك لم يراع بعمد التناقض بين الموقفين الامريكيين في قضية واحدة سلاح الدمار الشامل، الذي تؤيد وجوده في يد اسرائيل وتعارض وجوده في يد سوريا، وحتى يبرر كولن باول هذا التناقض امام الصحافيين الامريكيين المرافقين له في جولته الدولية التي تشمل الشرق الاوسط بعد سقوط العراق، لم يخف عليهم في اثناء الرحلة بطائرته الخاصة بين تيرانا العاصمة الالبانية ودمشق العاصمة السورية، بأن زيارته لدمشق ليست للتفاوض معها وانما لاملاء الشروط عليها، فإن لم تلتزم بهذه الشروط وغيرت سياساتها وفقا لها، لعرضت نفسها.. للعقوبات التي حددها قانون محاسبة سوريا، الذي اقره الكونجرس في عام 2001 تحت مظلة ما يعرف باسم قانون الوطنية الامريكية.

اعلنت سوريا انها تتطلع من خلال لقائها مع امريكا بالاجتماع مع وزير خارجيتها كولن باول الى فتح الحوار مع واشنطون في قضايا السلام، وترفض تلقي الانذارات منها بالعقاب اذا اخلت بالشروط المفروضة عليها، واوضحت بأن مشكلة دمشق مع واشنطون لا صلة لها بالعراق، وانما تتعلق بالادوار المطلوبة من امريكا لانهاء الاحتلال الاسرائيلي لاراضيها في مرتفعات الجولان منذ 5 يونيه عام 1967، رد وزير الخارجية الامريكي كولن باول على هذا المطلب السوري بتأكيده ان التغييرات في العراق، خلقت مناخا استراتيجيا جديدا في اقليم الشرق الاوسط يتميز بالحركة في كل الاتجاهات داخل الاقليم بصورة لم يعد من الممكن مع هذه الاستراتيجية الجديدة فصل المسار السلمي الاسرائيلي صوب الفلسطينيين الذي حددت معالمه خارطة الطريق، أو في اتجاه سوريا الذي حددته الشروط الامريكية المقدمة للرئيس بشار الاسد، والهدف من ذلك ربط استئناف المباحثات السلمية الاسرائيلية مع الفلسطينيين أو مع السوريين بالرؤية الاستراتيجية الامريكية للاقليم التي تعطي الاولويات لقضايا كبرى يأتي في مقدمتها الامن الاقليمي والسلام العالمي من وجهة النظر الامريكية التي يجب ان تسود، سواء اتفقت معها الاطراف الاقليمية المتفاوضة على السلام أو اختلفت.

أكد وزير الخارجية الامريكي كولن باول للصحافيين الملتفين حوله قبل دخوله بلحظة على الرئيس السوري بشار الاسد على ان السلام في الشرق الاوسط يجب ان يكون على الطريقة الامريكية حتى تضمن واشنطون تحت مظلته الحماية الكاملة لمصالحها الكبرى في هذا الاقليم وترتيب السلام على الطريقة الامريكية قام بصياغته ووضع قواعده وحدد شروطه البنتاجون بعقلية عسكرية تعجز عن رؤية ألوان الطيف السياسية وتفتقر الى القدرة على التعامل معها بالمرونة الديبلوماسية مما ضيق الخناق على وزير الخارجية كولن باول الذي اخذ يحدث الرئيس السوري بشار الاسد بلغة العسكر بالشروط المطلوبة من سوريا.

الشرط الاول.. التزام سوريا بعدم الاعتراض على الخطط الامنية الامريكية في العراق بصورة مباشرة أو غير مباشرة، علنية أو سرية، سواء كانت سوريا راضية عنها أو رافضة لها، لان الامن العراقي في هذه المرحلة شأن امريكي لا ينازعه عليه احد من الدول في داخل اقليم الشرق الاوسط أو خارجه.

الشرط الثاني.. تلتزم سوريا بواجباتها في العراق التي تحددها لها امريكا دون اعتراض منها، وعليها ان تقدم المساندة الى الجانب الامريكي والتعاون معه في الاعمال المدنية أو العسكرية كلما استدعت الحاجة الى العمل المشترك الامريكي السوري في العراق.

الشرط الثالث.. تدعم سوريا كل الترتيبات الامريكية الرامية الى اقامة القواعد العسكرية في مناطق الحدود المشتركة السورية العراقية، وعليها ان تهجر القبائل والعشائر المستوطنة في المناطق الحدودية الى مناطق أخرى داخل الوطن السوري.

الشرط الرابع.. التزام الحكومة السورية بالتعاون مع امريكا في مجال جمع المعلومات والموافقة على فتح قنوات بين اجهزة الاستخبارات الامريكية والسورية، والعمل المنفرد وحدها، والمشترك مع امريكا على كشف التحركات الايرانية المضادة للوجود الامريكي في اقليم الشرق الاوسط، وعلى سوريا ان تشارك امريكا في كل تحركاتها ضد ايران على المستويين السياسي والعسكري.

الشرط الخامس.. تلتزم سوريا بالانسحاب العسكري من لبنان وتوقف فورا مساندتها لحزب الله وحركة المقاومة الاسلامية «حماس» والجهاد الاسلامي وتكافحهم في داخل اراضيها وتقديم من تلقي القبض عليه منهم الى العدالة الدولية لمحاكمته على ممارسة الاعمال الارهابية التزاما بالحرب الامريكية المعلنة ضد الارهاب في كل مكان بالارض من بعد احداث 11 سبتمبر عام 2001.

الشرط السادس.. تلتزم سوريا بالعمل على تحسين مناخ علاقاتها مع اسرائىل في المرحلة الحالية تمهيدا لوضع خطة سلمية طويلة المدى تستهدف وضع دعائم السلام السوري الاسرائيلي.

لا ندري ان كانت هناك شروط امريكية أخرى على سوريا لم يعلن عنها، ولكن هذه الشروط الستة التي تسربت بعمد من البنتاجون تكفي وحدها لتحديد معالم التوجه الامريكي بالنسبة للشرق الاوسط الرامي الى الغاء الهوية العربية عن الوطن العربي.