جرائم أم مهازل؟

TT

الحزن في القلب لكن الشمس تشرق وتغيب والازهار تتفتح وتودع. وبين الجد والحزن شعرة أرق من شعرة معاوية اواذكى. وكل من بكى سيضحك ولو بعد حين. أما ان تحيل التراجيديا العراقية الى مهزلة مسرحية فهذه قلة ذوق وقحة خصوصا وان دماء الضحايا لم تجف على ضفاف الفراتين.

ولا أحد ينكر ان عناصر الكوميديا متوفرة، فالصحاف وحده مدرسة في الهزل، لكن هل التوقيت مناسب لتلك المسرحية الكوميدية التي ستعرض صيفا في لندن باحد الشبيهين للرئيس المخلوع؟

والواقع ان الاميركيين يساهمون اكثر من غيرهم في الكوميديا السوداء، فلماذا لا يكونون موضوعها؟

أليس هزلا خالصا ان يتصل الاستاذ محمد سعيد بالقوات المحتلة يوميا ويرجوهم ان يأتوا ويعتقلوه فيقولون نأسف اسمك ليس في الورق الذي نلعب به؟

لقد كان شكسبير يطعم مسرحياته التراجيدية بشخصية هزلية يعرف كيف يختارها، وبصراحة فإن الرئيس الاميركي يصلح لهزل اكثر من المخلوع، وإن لم تصدقوا فاذهبوا الى حياته وتفاصلها في كتاب ماكل مور ـ رجال بيض اغبياء ـ وسوف تجدون ما يبهج قلب الثكلى.

ومن الهزل الجدي اذا صح التعبير ان الجنود البريطانيين العائدين من الجبهة يقولون انهم كانوا يخشون النيران الاميركية اكثر من العراقية وعندهم الحق فثلاثة ارباع قتلاهم كانت بنيران صديقة.

لقد كانوا يعددون من جرائم العهد البائد، انه يعدم الضحية ثم يطالب الاهل بثمن الرصاصة وما يفعله الاميركيون من استعادة تكاليف الحرب من النفط العراقي ألا يشبه اساليب البائدين المنقودين؟

ان حالة العرب من احمد سعيد الى محمد سعيد غنية بكل انواع التراجيديا المركبة وموسوعة متكاملة لشر البلية لكن الغباء الاميركي لا يقل في الغنى الكوميدي عنها، والاعتراض الاول على مسرحية لندن انها تستغل شخصية واحدة ليس فيها أي كوميديا وتترك الشخصية الحقيقية التي ما زالت تمشي بطريقة تصلح وحدها لفصل كامل من السخرية بالغرور.

هذا لا نقوله وحدنا بل يقوله اميركيون اصابتهم الدهشة وهم يكتشفون الامكانيات المهولة لهزلهم الرئاسي.

وان لم يكف كتاب مايكل مور فعند المسرحيين مصدر اهم هو كتاب اريك لوران ـ حرب ال بوش ـ فهذا الكاتب يعرف الأب والابن وسبق له ان وضع الكتاب العاصف ـ عاصفة الصحراء ـ الذي يجدون فيه ايضا ما يسرهم عن تشيني الذي كان في عهد الأب وزيرا للدفاع.

وعن رامسفيلد الذي كان يفتخر الى وقت قريب بأن اهم انجازات حياته تطوير العلاقات الودية مع العراق «يا هيك لود يا بلاش» أليس من الكوميديا الديقراطية ان يلحوا على الديقراطية بشرط الا تكون الأغلبية للشيعة فكيف؟ وهم الاغلبية، وهل يحدث ذلك ديمقراطيا إلا على سبيل الهزل في قصص الاطفال. كان بينوكيو يطول انفه كلما كذب، وفي سياسة الكبار تطول يد السياسي وتزيد شعبيته كلما كذب. وهذه موضوعات غنية للهزل والجد لكنهم لا يقتربون منها. ففي الفن التجاري يستسهلون ويسلقون والافضل لهم شخصية معروفة غبية او دموية من قضية وجودية عميقة، كما فعل شكسبيرمع شخصية فولستاف، وليسلق من شاء، ويسترخص من شاء لكن هل كان ما قام به الرئيسان الاميركي والعراقي مضحكا وخفيفا أم جرائم فظيعة تقشعر لها الابدان؟ عند هذا المفصل بالذات يتوضح بدقة ـ وهذا هو الاعتراض الثاني ـ ما يجوز وما لا يجوز، فاظهار المجرم بصورة كوميدية مقبولة يخفف جرائمه في اللا وعي الشعبي. والتفريق بين المهازل والجرائم مسالة ضرورية في الوعي واللا وعي فهل يدرك الذين يحولون المخلوع الى شخصية خفيفة الظل خطورة ما يقدمون عليه؟

من حيث المبدأ لا تجور ذوقا السخرية من دماء الشعوب، وان كان لا بد من ذلك فليس قبل ان تجف الدماء.