الإعلام العربي عار أمام الحقائق

TT

اعتقد انه لا بد من وقفة نقدية فيما يتعلق باداء الاعلام العربي خلال الحرب الاخيرة على العراق، وبالتحديد هناك اسئلة عدة تتعلق بهذا الاداء. السؤال الاول الذي سنجيب عليه في هذه المقالة يتعلق باسباب محنة الاعلام العربي.

المتابعون للإعلام العربي لم يستغربوا أداءه، وحتى المؤسسات الغربية التي تقوم بتقييم الأداء الصحفي العالمي لم تفاجأ هي الاخرى، وإنما كانت المفاجأة انكشاف الإعلام العربي أمام قطاع واسع من المشاهدين في الغرب وخاصة أمريكا. ففي تقرير أصدرته منظمة فريدم هاوس الأمريكية عن الحريات الصحفية في العالم منذ عامين، وقسمت فيه الدول إلى دول تتمتع بحرية صحافة واخرى لا تتمتع بحريات صحفية، ودول بها حرية جزئية، اظهر البحث ان دولتين فقط بهما حرية جزئية وهما الكويت والمغرب، وباقي الدول العربية لا توجد بها حرية صحافة وفقا للمعايير التي اتبعتها المنظمة. وفي تقريرها الأول الذي صدر منذ عدة شهور لمنظمة«مراسلون بلا حدود» الفرنسية، جاءت الدول العربية في ذيل قائمة تضم مائة وتسعا وثلاثين دولة رتبتها حسب احترامها لحرية الصحافة. ولم تأت أي دولة عربية في موقع في الخمسين الأولى، وجاء لبنان في الترتيب رقم 56 والبحرين 67 والكويت 78 والمغرب 89، والجزائر 95، والأردن 99، ومصر 101، واليمن 103، والسودان 105، والسعودية 125، وسوريا 128، وليبيا 129، أما ترتيب العراق فكان رقم 130. على أن الجديد كما ذكرت هو أن المواطن الغربي وقد تابع بعض الفضائيات العربية منقولة اليه عبر قنواته المحلية، دهش للغيبوبة التي تعيشها هذه المجتمعات. على أن أكثر ما يزعجني هو حالة الرضا عند الشعوب العربية بالنسبة لإعلامها، فكلما تطرف هذا الإعلام أكثر كلما زادت حالة الرضا هذه عند القارئ والمشاهد العربي، وهو ما جعل وسائل الاعلام العربية تتنافس فيما بينها على من يكون أكثر تطرفا وأكثر ترويجا للأوهام حتى يفوز بقلب هذا المشاهد العربي العجيب، فلا مانع من تضخيم الانتصارات الصغيرة، والاحتفاء بالمتطرفين وتسليط الضوء عليهم لا لكشف أفكارهم الضالة وإنما لترويجها، فالإرهابي يسمى الشيخ أسامة بن لادن، وذلك البائس المسمى بالملا عمر يعقبه حفظه الله، والإرهاب المتفق عليه عالميا يطلق عليه «ما تسميه واشنطن بالإرهاب»، والحقائق تسبقها كلمة «على ما يبدو»، أما الأكاذيب فتروج على أنها حقائق دامغة. وفي النهاية تتهيأ الشعوب العربية وتندفع كوقود لمعارك وحروب غير متكافئة عن طريق دغدغة مشاعرها الدينية والقومية وتنمية العناد العاطفي لديها بالشعارات التي لا تستند الى حقائق واقعية. والسؤال: ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الاعلامي؟ هناك اسباب عدة نكتفي بعرض أهمها :

اعلام أيديولوجي

الشخص الايديولوجي أعمى بحكم التعريف، وهو يرى كل المحاسن في ايديولوجيته ويلصق كل العيوب بالاخر. ومن سوء حظ العرب أن المسيطرين على الإعلام ـ مع وجود استثناءات قليلة ـ يشكلون كتلتين : كتلة الإسلام السياسي وكتلة القوميين العرب، بالاضافة الى كتلة لها وضعها الخاص وهم الاخوة الفلسطينيون، الذين تم استدراج الكثير منهم، في السنوات الاخيرة، للاسف، للتيارين السابقين. وهذه الكتل انتشرت في الاعلام العربي انتشار المستوطنات الاسرائيلية داخل الجسد الفلسطيني. وفي السنوات الأخيرة التقت على أرضية واحدة، وهي العداء لكل ما هو غربي وأمريكي، ومحاولة دفع المنطقة كلها نحو الانفجار والانتحار الجماعي. ولا يمكن الارتقاء بالاعلام العربي الا بالتحول من إعلام ايديولوجي إلى أعلام مهني رحمة بالمشاهد والقارئ، الذي أصبح رهينة لمتطرفي الإسلام السياسي وأيتام القومية العربية.

الفساد المالي

وتتداخل الايديولوجيا مع الفساد المالي، فكل مجموعة وكتلة لها ممولوها والعديد من الدول لها «لوبيات» خاصة بها في وسائل الاعلام العربية. فصدام مثلا كان له أتباعه ومريدوه الذين أغدق عليهم الكثير من أموال العراقيين . أما داخل الدولة الواحدة فتعتمد سياسة العصا والجزرة، ومن لا يأتي بالجزرة فأجهزة الأمن تتكفل به حتى يعرف حدود دوره. والحماس الذي نراه في الفضائيات لصدام وامثاله في أغلبه مدفوع الأجر، والذين كانوا يتباكون على أطفال العراق، أما انهم أيديولوجيون متعصبون أو مجرد أبواق لأنظمة فاشية.

عدم الالتزام بأخلاقيات المهنة

إذا تجمعت الايديولوجيا مع الفساد والرشاوى، كيف نتوقع الالتزام بأخلاقيات المهنة. نقرأ في القواعد الأخلاقية المعلقة على مدخل مبنى احدى الصحف الأمريكية كدستور للعاملين فيه ما يلي: ندعم القيم الصحفية المتمثلة بالصدق، والاستقامة، والشجاعة، والعدالة، والرحمة، والتوازن، والاستقلالية، والمصداقية.. نسعى للحقيقة ونقدمها للقراء، نسعى للتعامل مع المصادر، والمواضيع، والزملاء كأناس يستحقون احترامنا وليس فقط كوسيلة لتحقيق أهدافنا الصحفية، لا تصنف الشخص حسب عرقه، أو دينه، أو خلفيته الأثنية، ما لم يكن ذلك ضروريا... الخ، ما هو موقع الصحافة العربية من هذه القواعد الأخلاقية الصارمة؟

احتواء المؤسسات الأمنية للصحافة منذ البداية لا يستطيع صحفي إصدار أي جريدة أو وسيلة اعلام أخرى في أي دولة عربية بدون موافقة الأجهزة الأمنية. بل وصلت السيطرة لحد مزعج في كثير من البلاد العربية حيث تقوم الأجهزة الأمنية بتعضيد بعض من الصحفيين وتستخدمهم للاغتيال المعنوي والمدني لخصوم الحكومات وتكيل التهم لخلق اله الشرفاء.

نظرية المؤامرة

وفي ظل غياب المعلومات الأساسية، وهى حق أساسي للصحفي، وفي ظل فرض خطوط حمراء على العديد من الموضوعات، وفي ظل الخوف، تكون البطولة المجانية التي لا تكلف صاحبها شيئا هي مهاجمة الغرب والتشبث بنظرية المؤامرة. فكل شيء هو مؤامرة على العرب والمسلمين.. حتى انهيار جيش صدام ونظامه اصبح مؤامرة أيضا. ونظرية المؤامرة تشيع جوا من الخرافات، والتسرع في إصدار الأحكام، والكسل الذهني، والبعد عن البحث العلمي، والشعور بالعجز والنقص تجاه العالم الخارجي، وهو انعكاس لجو التعتيم وغياب الشفافية وثقافة الضلالات والفساد السياسي.

تدني المستوى والجهد المهنيين

في كثير من وسائل الاعلام العربية ثمة تدن واضح للمستوى المهني في البحث المضني عن الأخبار، والسعي ورائها، والجهد في بلورة أفكار جديدة، وكتابة تقارير نظيفة ومختصرة ووافية.. فصناعة الأخبار ليست عملا سهلا وإنما هي عمل شديد الصعوبة، وليست عملية إنشاء بقدر ما هي جهد للبحث عن الحقيقة.

انعكاس لميراث ثقافي

الإعلام العربي فى جزء كبير من أدائه هو انعكاس لثقافة موغلة في القدم تتسم بالاستبداد والعنف والخداع والالتواء والعداء للعلم والغرق في الأوهام والخرافات. ففي ربع القرن الأخير الذي أنتجت فيه البشرية أهم منجزاتها العملية عبر التاريخ الإنساني كله، كان العرب غارقين حتى آذانهم في التخلف والتطرف الديني. ولهذا لم يكن مستغربا أن تجتاح أمريكا العراق كله بخسائر 125 فردا، اكثر من نصفهم قتل بنيران صديقة او في حوادث عادية. وأخيرا من المفروض أن يكون الاعلام مصدرا للتنوير والتحديث ودفع عجلة المجتمع إلى الأمام، ولكن مما يؤسف له أن الاعلام العربي بات مصدرا للتضليل، وحارسا للخرافات، ومحرضا على الفوضى، وضد قيم التقدم، ويسير عكس حركة التاريخ، وأحد اهم العوامل التي ساعدت على تكريس ظاهرة التخلف العام. وجب التنويه، احقاقا للحق، ان هناك استثناءات صحفية، وهناك ايضا العشرات من الصحفيين والكتاب والباحثين العرب الشرفاء النبلاء من ذوي المستوى المهني الرفيع والرأي الواضح المستقيم.

[email protected]