خطة شارون للابتعاد عن خريطة الطريق

TT

آرييل شارون رجل إسرائيل العملي، تنتظره، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، الكثير من المكاسب من دون أن يقوم بأداء أي عمل، هكذا بكل بساطة... وهو يدرك هذه الحقيقة.

فهو يعلم جيداً أن رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد أبو مازن، ما لم يكن قادراً وبقناعة تامة على تحطيم الصلة التي تربط السلطة الفلسطينية مع ما يدور من عنف في الشارع، وما لم يعمل على التخلص من بعض خلايا الإرهاب في الضفة الغربية وغزة، فإنه لا الحكومة الإسرائيلية ولا إدارة بوش تتوقعان، لأحدث عملية سلام في الشرق الأوسط حتى الآن، أي تقدم. هذا برغم ما تتضمنه «خريطة الطريق» الرسمية من نقاط وتوضيحات للطرفين.

ويعلم شارون يقيناً أنه من دون مساعدة قوية متناغمة ومستمرة تقدمها اسرائيل، فإن فرص أبو مازن، المتهالكة أصلاً، في تغلبه على العراقيل سوف تتراجع الى نقطة الصفر.

لذلك، إذا أراد شارون أن يعمل على تعطيل أي تسوية بين الاسرائيليين والفلسطينيين، فإنه ليس في حاجة سوى الإصرار ـ كما فعل من قبل ـ على أن تكون أي خطوة من إسرائيل مسبوقة بمجهود موازٍ لها، وبنسبة مائة في المائة، من أبو مازن. كما أنه لا يحتاج لأكثر من إبداء احتجاجه ـ كما فعل من قبل ـ بالقول بان إسرائيل بحاجة الى مناقشة اعتراضاتها الأربعة عشر على خريطة الطريق، والتي سبق اثارتها مع البيت الابيض، قبل الشروع في تنفيذها.

ولا يحتاج شارون أيضاً الى أكثر من الاستمرار ـ كما فعل من قبل ـ في عمليات الاغتيال والغارات التي تشنها إسرائيل ضد الميليشيات الفلسطينية، بالقدر الذي يثير حفيظة المتشددين مما يجعل القوات الأمنية لأبو مازن تعمل في وظيفة نائب رئيس الشرطة الإسرائيلية.

موقف رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، اذن، هو من الضعف بمكان، ولا قبل له بمثل تلك الحيل الماكرة.

لماذا يسود الاعتقاد بأن شارون ربما يتمنى الفشل لأبو مازن؟ لأن اتمام عملية السلام بنجاح خلال السنوات الثلاث المقررة في «خريطة الطريق»، من شأنه أن يؤدي الى إفراز تسويات قد يراها شارون غير مقبولة. اذ يتوجب على إسرائيل أن تتنازل عن كل الأراضي الفلسطينية باستثناء نسبة 5 في المائة من الضفة الغربية وقطاع غزة، زائداً الأراضي الفلسطينية المجاورة لبيت المقدس، فضلاً عن إعادة توطين عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود. وهذه الشروط كان قد تم قبولها من إدارة الرئيس كلينتون والحكومة الإسرائيلية السابقة والأغلبية الساحقة من الإسرائيليين، غير أن شارون يراها شروطاً انتحارية. اما هدفه السياسي الأساسي الذي ظل يرمي اليه، فهو تحويل إجماع الرأي العام العالمي بشكل درامي الى: كم هي نسبة الأرض، وما هي حدود السيادة التي ينبغي للدولة الفلسطينية أن تحصل عليها، لكي يتمكن من الاحتفاظ، مثلاً، بغالبية أراضي الضفة الغربية وكل القدس. وهو يعلم جيداً أن عملية تحويل أعمدة المرمى من موقعها قد يستغرق سنوات وربما عقودا، وهذا ما يجعله يكرر دائماً مقولته بأن هدفه هو إجراء «اتفاقية مؤقتة طويلة المدى» مع الفلسطينيين.

كل هذا ربما يجعل الأمور أكثر وضوحاً، والتزام الرئيس بوش «الشخصي» بمتابعة عملية السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية، أمرا سريع الزوال، مثلما حدث في وعوده بشأن «خطة مارشال» في أفغانستان، أو «لعب دور حيوي للأمم المتحدة في العراق»، خاصة انه برز العديد من كبار المسؤولين الذين يشاطرون شارون رؤيته تلك. على كل حال، ما يزال بوش يحتفظ لشارون بالكثير من الفعالية والمقدرة. إن العديد من الإسرائيليين يعدون بوش واحدا من أكثر الرؤساء الاميركيين دعماً لهم في تاريخ دولتهم، ولكنه قد ينقلب على حكومتهم إذا لمس منها إحباطاً في مبادرة سلام يأملون بشدة في نجاحها.

وشارون يعلم ذلك أيضاً، وهذا يفسر أحد الأسباب التي أعد معها خطة إسكانية أشمل ـ من خلف الكواليس ـ وهي الخطة (ب). في زيارة له لواشنطن قبل ثلاثة أسابيع، طرح أكبر مساعديه، دوف فايسغلاس بهدوء شديد، ، في اجتماع مع كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والبنتاغون ومكتب نائب الرئيس الأميركي، سلسلة من أشكال التسهيلات الإسرائيلية المحتملة مع أبو مازن. وكانت تتراوح بين المساعدات الانسانية مثل منح المزيد من الفلسطينيين تأشيرات عمل في إسرائيل، الى السياسية، مثل إطلاق سراح دفعة أخرى من السجناء الإسرائيليين، ثم تقديم تسهيلات عملية لانفراج فلسطيني يتمثل في نشر قوات فلسطينية في قطاع غزة مثلاً ـ بدلاً من إعادة انتشار قوات إسرائيلية حسبما كان متفقاً عليه ـ بغرض اختبار مقدرتها على حفظ الأمن تحت إدارة أبو مازن.

وجاءت أفكار فايسغلاس في موقع تقصيري من حيث التزامات إسرائيل بمقتضيات «خريطة الطريق»، ولكن لو تم تنفيذها فستكون لها، رغم كل شيء، تأثير قوي. وفي ما يتعلق بالمستوطنات، مثلاً، فقد رفض مبعوث شارون ما تتطلبه «خريطة الطريق» من تجميد مبكر لبناء كافة المستوطنات الإسرائيلية، ولكنه أكد ان إسرائيل تستطيع الالتزام بوقف بناء عشرات المستوطنات العسكرية الجديدة التي أنشئت خلال العامين الماضيين. وهي خطوة إذا تم تنفيذها بجدية فمن المرجح أن تجبر شارون على فض حكومته اليمينية الحالية، وبالتالي إعطاء ابو مازن دفعة قوية للأمام.

وفي تفسيره للخطة (ب) التي يتبناها، اوضح شارون رأيه في مقابلة أجرتها معه صحيفة «هآرتس» اليومية واسعة الانتشار، بأنه، كمحارب مخضرم، كما يصور نفسه، وجد نفسه مكرهاً على اختيار التضحيات كأمر ضروري من أجل السلام بدلاً من ترك ذلك للأجيال المقبلة. ويقول: «أبلغ الآن 75 عاماً من عمري، وعليه أشعر بأن هدفي والغرض من وظيفتي هو أن أقدم لهذه الأمة السلام والأمن المطلوبين. إن ذلك يؤلمني، ولكن... أشعر بأن الضرورة العقلانية في الوصول الى تسوية تتغلب على مشاعري، وعلى المرء أن ينظر للأمور بواقعية.. وفي نهاية المطاف لا بد أن تكون هناك دولة فلسطينية».

إذن، هل شارون مستعد الآن لقبول التسوية النهائية المتاحة؟ بالتأكيد لا. إنه يفضل ان يرى أبو مازن فاشلاً في مهمته. ولكنه قرر أيضاً انه اذا ما اثبت أبو مازن كفاءة ومصداقية، الى جانب تصميم الرئيس بوش، فإنه سيسعى قدماً لإتمام العملية بدلاً من المجازفة بمناطحة رئيس من القوة بمكان. إنها فرصة صغيرة للغاية.. إذا كان بوش قد قرر الحصول عليها.

* خدمة «واشنطن بوست»