الجامعة العربية كيف تكون استثمارا رابحا؟

TT

قد يخاطر رجال الاعمال والمستثمرون الاكثر جرأة وميلا الى المغامرة بتحمل الخسارة في مشاريعهم الجديدة الى حد خمس سنوات في انتظار سنين الربح الطويلة، لكنهم لن يواصلوا الاستثمار بخسارة بعد هذا الزمن الا اذا كانوا مجانين. ومجال المال والاعمال والاستثمار لا مكان فيه للمجانين بخلاف عالم السياسة. فالسياسيون يمكن ان يكون بعضهم مجنونا في الاصل، او ان يجنوا وهم في السلطة.

الجامعة العربية التي تعود قضيتها الى الاضواء القوية الآن، كانت منذ البداية مشروعا استثماريا، فالذين انشأوها قبل 58 عاما والذين التحقوا بها فيما بعد كان يحدوهم الامل في ان تحقق لهم منافع وارباحا في شتى المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولهذا حرصت حكومات البلدان العربية على سداد حصصها المالية السنوية في موازنة الجامعة والانفاق على ممثليها لدى الجامعة من دبلوماسيين واداريين، وكلها اموال مقتطعة من الموازنات العامة لكل دولة.

ربما تحققت بعض العوائد من الاستثمار الطويل في الجامعة العربية، لكنها بالتأكيد متواضعة للغاية ولا تتناسب مع حجم الاستثمار الهائل، بدليل التردي المتواصل للاوضاع العربية وللعلاقات العربية ـ العربية، وحتى لعلاقات الجامعة نفسها مع عدد من اعضائها.

يكفي ان نشير الى ان الجامعة اخفقت في قضية الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وفي قضية صراع الصحراء الغربية، وفي قضية الاحتلال العراقي للكويت، وفي الازمة بين العراق والأمم المتحدة والتي حلتها الولايات المتحدة وبريطانيا بالقوة العسكرية، مثلما اخفقت في اقامة تعاون اقتصادي معقول بين الدول العربية او علاقات ثقافية او اعلامية او سياحية لا بأس بها.

اذا اخترنا اي دولة اوروبية غربية او اي دولة من دول شرق آسيا وتفحصنا علاقاتها مع الدول العربية، سنجد ان هذه العلاقات اوسع وأكبر وأهم وأرسخ من علاقات اي دولة عربية مع كل الدول العربية الاخرى.

الجامعة العربية مشروع استثماري خاسر للعام الثامن والخمسين على التوالي. والمصالح الوطنية لدولها الاعضاء والمصلحة القومية للعرب جميعا تقتضي الكف عن هذا الاستثمار للكف عن تحمل المزيد من الخسائر.

هذا الكلام لن يعجب بيروقراطيي الجامعة. ويمكننا تفهم موقفهم، فلديهم مصالح شخصية في الابقاء على الجامعة للبقاء في مناصبهم والاستمرار في الانتفاع بالامتيازات المتأتية من هذه المناصب.

لنلتق مع هؤلاء البيروقراطيين عند منتصف الطريق، بالابقاء على الجامعة، ولكن بعد تحويلها الى مؤسسة للدعاية السياحية، مثلا، تنشط في مجال السعي لاقناع السياح العرب بالسياحة في البلدان العربية، او مؤسسة للدعاية الاقتصادية والاستثمارية تنشط بين التجار ورجال الأعمال والمستثمرين العرب لتشجيعهم على استثمار بعض اموالهم في الدول العربية وعلى الاتجار والتعامل مع اشقاء لهم في الدول الاخرى، ففي هذا مصلحة كبيرة لكل العرب عجزت الجامعة عن تحقيقها رغم مرور 58 سنة على انشائها.

[email protected]