دعوكم من الأسلحة

TT

اعتاد البعض مقارنة جورج دبليو بوش بالرؤساء السابقين، تارة برونالد ريغان لتحفظه الشديد وافتقاره للمرونة والاستعداد للتفاوض. وأخرى بويليام ماكينلي، الذي مكن الجمهوريين من صنع عصر مجيد، وأخرى بجورج بوش الأب، الذي علم نجله ما لم يفعله هو في البيت الأبيض، حيث لا يقدر النصح الناتج عن خبرة بثمن.

أما أنا فأرى إنه يشبه أندرو جاكسون. وهذه بطبيعة الحال حقيقة غير مريحة، ذلك ان جاكسون كان ينتمي للحزب الديمقراطي وكان شخصية بركانية، لكن نجمه سطع عندما فاز في معركة (نيو أورليانز) لم يكن بحاجة لخوضها. فكما يعرف كل تلميذ في المدرسة الثانوية (أو كما اعتاد أن يعرف)، كانت الولايات المتحدة قد وقعت بالفعل معاهدة سلام مع بريطانيا لكن تلك المعركة مثلت نصرا عظيما.

أردت ذكر جاكسون في المقدمة، لأنني أشعر بأنه سيكون من غير المفيد لو لم يتم العثور على كمية كبيرة من أسلحة الدمار الشامل في العراق، كما يبدو الآن أن ذلك قد يحدث، ولو تبين لنا ان الحرب التي شنت لنزع أسلحة ذلك البلد لم تكن ضرورية.

فكل ما قد يكون له جدوى هو ان الولايات المتحدة حققت نصرا رائعا - بغض النظر عن السبب الرئيسي لخوض المعركة. فالجميع يحلو لهم تأييد المنتصر، وبوش هنا هو المنتصر.

أنا شخصيا أيدت الحرب وتروق لي محصلتها، وأعتقد ان هناك فرصة في أن يصبح العراق بلدا ديمقراطيا، وإن ذلك سيؤثر في كامل منطقة الشرق الأوسط (حيث باتت سورية تتصرف بشكل أفضل)، وإن التخلص من صدام حسين البشع وتحرير شعب العراق كان عملا جيدا بغض النظر عن أي شيء.

لكن ومع مرور الأيام بدأت أفكر في اننا خضنا حربا جيدة لأسباب غير جيدة.

السبب الأول، وستذكرون هذا في ما بعد، هو الربط بين صدام حسين وتنظيم «القاعدة». وهنا لم يتسن العثور على دليل.

والسبب الثاني ـ وهو السبب الأساسي الذي يشغل ذهني ـ ان العراق لديه برنامج أسلحة نووية كانت تشكل خطرا، إذا لم يكن محدقا فقد كان بالتأكيد يتجاوز حد التنظير. والآن يبدو ان العراق لم يكن لديه برنامج أسلحة نووية تستحق الحديث.

كان المسؤول الرئيسي في إدارة بوش، الذي بالغ في طرح هذه المسألة هو نائب الرئيس ديك تشيني. فقد ظل حتى إندلاع الحرب يكرر تحذيراته المرعبة التي أطلقها خلال صيف عام 2002، ومفادها ان العراق يمضي قدما في برنامج أسلحة نووية.

وخلال احد اللقاءات التلفزيونية التي جرت معه في شهر مارس (آذار) الماضي، قال إن العراق لديه «أسلحة نووية معادة التصنيع». وتلك كانت معلومة جديدة حتى بالنسبة لأجهزة الاستخبارات أيضا، كما هي الحال بالنسبة لمحمد البرادعي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي تعرض لنقد لاذع. وحتى اليوم، لم يفسر تشيني ما هو ذلك الذي تحدث عنه.

حتى بوش شخصيا اشار إلى برنامج عراقي للأسلحة النووية في خطابه عن حال الاتحاد، الذي القاه خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وقد نسب إلى تقرير أعدته الحكومة البريطانية، إن صدام «سعى لشراء كميات هائلة من مادة اليورانيوم من أفريقيا»، وأيضا إلى مصادر استخبارية أميركية «...أنه (صدام) سعى لشراء معدات فائقة القدرة يمكن استخدامها لإنتاج أسلحة نووية».

لكن تبين في ما بعد ان عملية الشراء المزعومة كانت وهما، وان المعدات المذكورة، ووفقا لمفتشي الأمم المتحدة، لا علاقة لا بأية برنامج للأسلحة النووية. وبعبارة أخرى، كان ذلك الدليل الخاص ببرنامج انتاج أسلحة نووية عبارة عن خيال اكثر منه حقيقة.

ما الذي يمكن أن نستنتجه من هذا؟

في الوقت الراهن لا بد من القول إن لجنة التحكيم ما زالت تواصل عملها. فالعراق بلد شاسع لم يتسن بعد تمشيطه بالكامل. وقد يكون هناك شيء ما لم نكتشفه بعد.

لكن هناك تخمينات أخرى أكثر إثارة للقلق، أولها ان الإداره الأميركية هولت من حجم التهديد العراقي، وبالغت في حديثها عن الحاجة الملحة، على اعتبار انها أرادت الإطاحة بصدام حسين لأسباب أخرى.

وتلك الأسباب ليست بالضرورة بشعة، فصدام كان ( أو ما يزال) شخص سيئا، وبرنامج أسلحته النووية كان عبارة عن مسألة حسابات، فقد كانت له تجربته معه وبالتأكيد انه كان سيكرر التجربة.

الاحتمال الثاني هو ان الإدارة التي أرادت الحرب فسرت أية معلومة استخبارية لتعزيز موقفها. ومع مرور الوقت، يبدو إن ضباط المخابرات تعلموا أن لا يقدموا للبيت الأبيض معلومات لا يرغب فيها، وأن يُفصِّلوا تقاريرهم بطريقة تلائم التوقعات المسبقة لمسؤولي الإدارة. فكل من يعمل تحت إشراف مسؤول ما لا شك إنه يعي أهمية هذه المسألة.

لا شيء ينجح كالنجاح ـ وحرب العراق كانت نجاحا بارزا، لكننا في هذا البلد ـ أميركا ـ فهمنا ان الحرب ستشن فقط بموافقة الشعب، وفقط بعدما يقال للشعب السبب الحقيقي، وإذا ثبت، كما يبدو محتملا في الوقت الراهن، ان ذلك لم ينطبق على حالة العراق، فحينها قد يثبت ان الحرب كانت صفقة خاسرة، فالديمقراطية التي نرغب في نقلها للعراق قد تكبدنا ثمنا ندفعه نحن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»