سودلية في كربلاء

TT

في هذه الأيام التي يشهر بنا الغربيون ويعيبوننا على ضيق صدرنا واضطهادنا للفكر وعدم تسامحنا، علينا ان نتذكر اننا في القرون الوسطى والاخيرة كنا مثالا للتسامح والتعايش حير الغربيين الذين راحوا يطحنون بعضهم البعض في أقسى الحروب الطائفية والمجازر الأهلية، وخاصة بعد حركة الاصلاح الديني وخلال حرب الثلاثين سنة. راح مفكروهم ينظرون باعجاب وحسد الى عالم الاسلام ويتساءلون لماذا لا نستطيع ان نتعلم من المسلمين كيف تتعايش الطوائف بسلام وتحتضن الدولة مواطنيها على السواء بغض النظر عن معتقداتهم؟ ولكن كل حال يزول. ما تظل الدنيا على حال، تتغير من حال لحال. «غنى المنلوجست عزيز علي».

كل هذا التنوع الفسيفسائي الطائفي والاثني في العراق الذي توقع المتشائمون انفجاره يعود لهذه الروح المتسامحة في شؤون الدين والايمان. حيثما تسمع عن عراقي يقاتل ويقتل آخر فاعرف انهما تقاتلا على الفلوس أو المنصب، أو احيانا ونادرا على امرأة، لا تضيع وقتك بالبحث عن اي سبب ديني أو عقائدي.

في القرن التاسع عشر، ظهرت في ايران الحركة البهائية كما عرفت بالبابية. سرعان ما نشطت في قيادة هذه الدعوة امرأة عجيبة في سحر جمالها وبلاغة كلامها وقوة شخصيتها وايضا باسمها المغري «قرة العين». تميزت الحركة البابية بدعوتها للعصرنة والتحديث واعتماد العلوم الحديثة، فكان من ذلك ان اسفرت قرة العين وتخلت عن الحجاب ودعت الى التخلي عن عزاء الحسين وزيارة الاضرحة والقبور، كما نهت عن التدخين. لم يرتح الايرانيون لمثل هذا الكلام فرحلت الى العراق واتخذت مقاما لدعوتها في كربلاء والكاظمية، المركزين الدينيين المهمين. وهناك اخذت هذه المرأة بالتبشير لمذهبها وتعقد الجلسات والمناقشات مع رجال الدين الشيعة وكبار الملالي. كانوا يجلسون حولها ويستمعون لوعظها. بلغت بها الجرأة ذات يوم والقوم جالسين ينتظرون مجيئها وشروعها بالوعظ، واذا بها تدخل فجأة وتجلس أمامهم سافرة كليا وممكيجة بأحمر الشفايف والزينة وتبدأ بالدرس. يروى ان بعض الملالي غطوا أعينهم بأيديهم هلعا واستنكارا لئلا ينظروا اليها. ولكن بعض الظرفاء علقوا فقالوا: نعم سدوا اعينهم لانهم لم يطيقوا النظر الى جمالها. فقد كانت بيضاء شقراء بعينين عسليتين ساحرتين. سماها الفرس «زرين تاج»، أي التاج الذهبي لشعرها الذهبي.

التقى د. علي الوردي ببعض من يتذكرونها وسألهم عنها وعن وعظها، فقالوا: أوه! هذي قرة العين كانت قـ....ة! مجرد عاهرة ساقطة.

ولكن العراقيين خفوا اليها واستمعوا لوعظها، عاهرة أو غير عاهرة.. ما اعتدى عليها أحد ولا أصدر أحد فتوى بكفرها أو فسقها. ولا أشك في ان شباب كربلاء والكاظمية كانوا يخفون لدروسها ليأخذوا اماكنهم في الصف الأول أمامها.

ولكن النفس امارة بالسوء. فقررت العودة الى ايران، وما ان شرعت بدعوتها هناك حتى مسكوا بها وادخلوها في فوهة مدفع واطلقوا المدفع، ولهذا لم أجد لها قبرا في طهران لأزوره.

ويتحدثون الآن عن تصدير الثورة الاسلامية للعراقيين ومنعهم من الشرب. فليجربوا.