صوت من القبر

TT

عندما سمع برناردشو بوفاة صديقه القديم اتش. جي. ويلز في 1946 علق فقال: ماذا سيكتبون على قبره؟ يجب ان يكتبوا عليه هنا يرقد هربرت جورج ويلز. مات عام 1934 ودفن عام 1946. يشير بذلك الى خروج ويلز من الجمعية الغابية وانقلابه على الاشتراكية في 1934.

اعتقد ان شيئا مشابها يجب ان يتبعوه في كتابة شاهد قبر صدام حسين. قبل ايام، اذيع كما يقال تسجيل له يحث العراقيين على الهبوب لمحاربة قوات التحالف. اذا صح ذلك فسيكون ذلك صوتا من القبر. ليس لأنني اعتقد بأنه مات في الغارة الامريكية في ابريل الماضي، وانما لأنني اعتبره قد حفر قبره ودفن نفسه فيه عند غزوه للكويت ورفضه الانسحاب منها بالحسنى. فاذا ظهرت جثته وعرفنا له قبرا فعلى اهل العوجة ان يكتبوا على شاهد القبر «هنا يرقد صدام حسين مات في عام 1991 ودفن في عام 2003». سيعترض عليّ ويقال، ولكن كيف؟ ماذا عن كل هذه الجرائم والمصائب والفضائح التي ارتكبها وأحاق شعبه بها بين 1991 و 2003؟ من قام بها إن كان قد مات في عرفك؟ الجواب هو ان من قام بكل هذا الويل والثبور جثته. فكثيرا ما تبقى جثة المصاب بالاوبئة كالطاعون والكوليرا مصدرا للبلاء والوباء حتى بعد موت صاحبها، تبقى تتفسخ وتتقيح وتنشر الجراثيم والفايروسات لسنين. وكل ما فعله بين 1991 و2003 من بلاء واهوال يعيا دماغ المرء عن فهمها يدل على انه كان مجرد جثة تتفسخ نسي القوم ان يدفنوها ويخلصونا منها.

منذ هزيمته في الكويت فقد الرجل كل ما يعتز به الرجال من احترام للنفس. ظل يحاول كل يوم ان يستعيد سطوته وسلطانه كزعيم يتحدى الدول، ثم تصفعه الدول على رأسه فينكمش ويتخاذل وينفذ ما يطلب منه كالخادم المطيع. يعود فيتمرد على مجلس الأمن والأسرة الدولية، فيصفعونه مرة أخرى على رأسه فيكبو على ركبتيه ويتوسل ويطيع. اصبح مثله مثل ذلك الزائر الايراني الذي دخل العراق لزيارة كربلاء والنجف. خرج عليه قطاع طرق ليسلبوه، على اكثر احتمال من أهل العوجة، قالوا له هات هذه السجادة التي على كتفك فامتنع، فانهالوا عليه ضربا حتى ادموه، فسلم لهم السجادة. قالوا انزع سترتك. فرفض. انهالوا عليه بالضرب مرة أخرى. وراح الدم ينزف من انفه وفمه وسلم لهم سترته. قالوا له هات حزامك. فرفض. انهالوا عليه بالضرب حتى سلمهم حزامه. انزع قميصك، فرفض. انهالوا عليه بالضرب مجددا. عطف عليه احدهم، واحد ابن حلال من اهل العوجة، فقال له، ولك يا زاير كربلا ليش تعذب روحك وتخلينا نضربك وندميك ونكسر سنونك وخشمك. سلمنا ما نريد بالحسنى واسلم على رويحتك. فأجاب والدم يتصبب من فمه واذنيه وقال: «لا انزع هدومي حتى يعلم الله اني كنت مظلوما».

قضى صدام حسين السنوات الماضية مثل ذلك الزائر الايراني. يزبد ويرعد ويهدد حتى تلوي امريكا يده فيسلم لها ما تريد. قالوا له يا رجل سلم وارحل بالسلامة وخلص الناس. ولكن لا. مثله مثل ذلك الايراني، مع فارق واحد. كان ذلك الزائر الايراني يقول لا انزع هدومي حتى يعلم الله اني كنت مظلوما. صدام حسين عقد العزم على الا يترك منصبه حتى يعلم الله انه كان ظالما.

وكالجثة المتفسخة ظل ظلمه ينث بالجراثيم والفايروسات، يدب منه الدود والهوام وكل مخلوق تعافه النفس. يأبى حتى بعد موته ودفنه ان يترك الشعب العراقي في سلام، وكل هذه الديدان القبيحة تقتات بدولاراته وتدب لتنغص على الناس حريتهم الجديدة برصاصها وقنابلها وقاذوراتها الغوغائية.