انسحاب أميركا من العراق

TT

أعرف السيد محمد باقر الحكيم معرفة كافية، وناقشته اكثر من مرة، كان آخرها قبل اشهر في مقره في العاصمة الايرانية، لذلك استطيع ان اقرأ خطابه الذي ألقاه في حفل استقباله الكبير في البصرة كخطاب متوازن يجمع بين نقد الوجود الاميركي في العراق، وبين معرفته بضرورة وجود الاميركان في الوقت الراهن كضمانة داخلية واقليمية، وهو خطاب يعطي للشارع الذي عاش على فكرة ان اميركا هي الشيطان الاكبر ما يرضيه، ويعطي للآخرين فهما متوازنا للوضع الحساس لعراق ما بعد صدام حسين.

هناك اجماع عراقي من كافة الاطراف الفاعلة بما فيها المراجع الدينية الشيعية على ان الوجود الاميركي المؤقت ضرورة بعيدا عن التنظيرات والمماحكات اللفظية، فالبلد بلا جيش وبلا امن وبلا حكومة وحتى بلا اذاعة وتلفزيون، وحزب البعث ما زال موجودا وان كان قد ضعف، والامن السري ما زالت رموزه موجودة، اضف الى ذلك حساسية الوضع الاقليمي، فوزير الخارجية التركي في اجتماع دول الطوق في الرياض رد على بعض المندوبين العرب الذين تحدثوا عن الانسحاب «الفوري» بقوله اذا انسحب الاميركان فسيدخل الجيش التركي الى شمال العراق، والجميع يعلم ان وجود الاميركان هو الضمانة الاقليمية الوحيدة للأمن العراقي في الوضع الراهن.

السيد محمد باقر الحكيم يتحدث عن انسحاب اميركي، واخوه عبد العزيز الحكيم عضو في اللجنة التي تبحث في مستقبل العراق مع غارنر بل ان المجلس الاعلى للثورة الاسلامية الذي يرأسه السيد الحكيم يقيم علاقات ودية مع الولايات المتحدة حتى عندما كان الحكيم يعيش في طهران.

بعض بائعي الكلام في الدول العربية لا يكتفون بالحديث عن انسحاب «فوري» بل يذهبون الى اكثر من ذلك ويتحدثون عن تنظيم «المقاومة» العراقية ضد اميركا، وكان آخر من بشّر بذلك جماعة الاخوان المسلمين المصرية، وهؤلاء يريدون ان يبيعوا الكلام للعراقيين، ومعظم هؤلاء شاركوا في حفلة الصمت على النظام السابق بل وأيدوه، ورغم انكشاف فظاعة ذلك النظام ودمويته عبر اكتشاف مقابر جماعية رهيبة وسجون جديدة في فكرتها على ثقافة العنف العالمي فانهم ما زالوا يطالبون العراقيين بان يموتوا لتستمر حفلة التفرج عليهم، وليت هؤلاء يتركون العراقيين وشأنهم ليقرروا كيف ومتى تنسحب الجيوش الاجنبية.