مقاومة الإرهاب فكريا ودينيا

TT

العمليتان الإرهابيتان في الرياض والدار البيضاء أعادتا إلى صدارة الأخبار قضية الإرهاب «الإسلاموي» الموجه، ليس ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة فحسب، بل ضد الدول العربية والإسلامية وأنظمتها أيضاً. وفي خضم ردود الفعل وهيجان الأفكار وتضارب الآراء لتفسير ما حدث وأسبابه وسبل التصدي له ومعالجته، قد يكون من المفيد وضع بعض النقاط على بعض الحروف حول «مسألة» الإرهاب السياسي عامة والإرهاب الجديد الذي يضرب تحت شعارات دينية إسلامية.

أولا: ان ظاهرة الإرهاب قديمة، وليست اختراعا عربيا أو إسلاميا. عرفتها كل المجتمعات السياسية في كل العصور، ولا تزال موجودة وممارسة في عدة دول أميركية وأوروبية وآسيوية، بصرف النظر عن نوعية النظام الذي يحكمها. ومن هنا الخطأ في قرن عبارة «الإرهاب» بالإسلام، أو حصر صورته بالعرب والمسلمين، أو القول بأن الديموقراطية كافية للقضاء على الإرهاب.

ثانيا: من الصعب عمليا أو واقعيا رسم خط فاصل بين الإرهاب والمقاومة، وان كان ذلك ممكنا نظريا، مع العلم بأن المقاومة يمكن أن تمارس بدون عنف. وان هناك عنفا مشروعا معقولا او مقبولا، كبعض عمليات المقاومة في فلسطين، وعنفا آخر أعمى ووحشيا مرفوضا ومستنكرا، كالذي مورس في نيويورك والرياض والدار البيضاء.

ثالثا: ليس للإرهاب هدف أو غاية واحدة مباشرة أو آنية، بل أكثر من هدف وغاية، ولكنه من الصعب التفريق بين هذه الغايات والأهداف. ومن الواضح والمسلّم به، ان مرتكبي هذه العمليات الأخيرة، إنما يقصدون زعزعة الأنظمة العربية الحاكمة، وضرب الاستقرار والاقتصاد لتوليد النقمة الشعبية، بالاضافة إلى إيذاء الدول الغربية والولايات المتحدة خصوصا، تمهيدا للاستيلاء على الحكم في الدول العربية والإسلامية.

رابعا: ان مقاومة الحكومات العربية والإسلامية للجماعات الإرهابية وملاحقتهم ومحاكمتهم والقضاء على خلاياهم السرية وشل أيديهم لمنعهم من ارتكاب جرائم جديدة، وبالتعاون مع الولايات المتحدة وكل دول العالم، حق وواجب، لا سيما اذا نجحت في التفريق بين ما هو مقاومة مشروعة للاحتلال وللعدوان الإسرائيليين، وما هو إرهاب ـ إرهاب، وأقنعت الولايات المتحدة بهذا التفريق. لكن القيام بإصلاحات سياسية وبتطوير اقتصادي اجتماعي يبقى ضروريا للتخفيف من تململ أو تألم الشعب، ولقطع طريق استغلال الجماعات الإسلامية الراديكالية لتذمر الشعب وغضبه.

خامسا: لا بد من الملاحظة بأن «الإرهاب الجديد»، الاسلاموي الصبغة أو الهوية، يتميز بضخامة حجمه وفداحة أذاه وعالميته (من الفيليبين إلى نيويورك ومن أقصى المشرق إلى المغرب مرورا بأوروبا). وانه مرشح لبلوغ درجات عالية جدا من الأذى إذا توصل إلى اعتماد أسلحة الدمار الشامل في عملياته. وبأنه ينطلق أو يرتكز أو يتذرع بعقيدة دينية في سعيه الى تحقيق غاية سياسية عن طريق الإرهاب والهدم والتخريب، وانه في شموله لإسرائيل والولايات المتحدة كأعداء، لتغطية عدائه للأنظمة العربية الحاكمة، استطاع كسب بعض التعاطف بين الطبقات الشعبية في بعض الدول العربية والإسلامية، التي تكره إسرائيل والولايات المتحدة، بسبب دعمها لها.

سادسا: ان الحركات والأحزاب السياسية «الإسلامية» فشلت حتى الآن في الوصول إلى الحكم في أي بلد عربي، لكن الأنظمة العربية الحاكمة لم تتمكن ايضا، حتى الآن، من القضاء عليها أو من إلغائها سياسيا، بل ان بعض الدول العربية فتحت امام بعضها أبواب المجالس النيابية وادخلتها في الحكومات، فهل المطلوب، بعد اليوم، وفي هذه الحرب العالمية على الإرهاب الإسلاموي المتصاعد، مزيد من انفتاح الأنظمة عليها واشراكها في القرار؟ أم التشدد في التصدي لها وضربها؟.

سابعا: هناك تسليم عالمي بأن حل القضية الفلسطينية وإنهاء النزاع العربي ـ الإسرائيلي، يساعدان جدا على حل مشكلة الإرهاب الإسلاموي. وليست إسرائيل وحدها هي التي تعرقل أو تعطل الحل والسلام، بل الحركات والجماعات الدينية السياسية الراديكالية. والسؤال المطروح هو: هل يجب على الولايات المتحدة الضغط على اسرائيل للوصول إلى سلام شبه عادل؟ أم على المعارضين الراديكاليين الإسلامويين التوقف، مقتنعين أم مرغمين، عن رفضهم لأي صلح مع إسرائيل، وعن الاستمرار في عملياتهم الإرهابية؟ وهل توقفهم عن مقاومة إسرائيل وعن إيذاء الولايات المتحدة، يشجع إسرائيل على توقيع السلام، أم بالعكس، يلغي حاجتها إليه؟.

ثامنا: بصرف النظر عن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الإرهاب وإصرار العرب والمسلمين على التفريق بين الإرهاب والمقاومة وابعد من هذه العمليات الارهابية الاخيرة ومضاعفاتها، لا بد من وقفة فكرية دينية عقائدية وسياسية أمام هذه الظاهرة الإسلامية ـ السياسية ـ الراديكالية، التي تعصف بالعالمين العربي والإسلامي اليوم، سواء أطلق عليها اسم الصحوة الدينية الاسلامية، أم المد السياسي الإسلامي، أم الأصولية الإسلامية، أم الجماعات الدينية الإسلامية المتطرفة. إن وصفها كلها بالارهاب ليس صحيحا، لكن الحركات والتنظيمات الارهابية والدعوات العدائية للغرب، إنما تولدت في رحم هذه الدعوات والحركات والأحزاب. ومن جراء مزايدات بعض الدعاة والمجتهدين على بعضهم بعضا، وايضا من تغلغل اصحاب الغايات السياسية فيها وتحويل بعضها الى خلايا ارهابية. ولا بد للمرجعيات الدينية الاسلامية، وبنوع خاص الأزهر الشريف، ورابطة العلماء في المملكة العربية السعودية وباكستان، والحوزات الدينية الشيعية في العراق وإيران، من التلاقي حول فتاوى واجتهادات جديدة تعالج هذه الظواهر السياسية المتسترة بالدين أو الدافعة بالمؤمنين به إلى العنف والإرهاب.

إن الدعوة للإسلام والعمل على نشره في العالم أمر، بينما اعلان الحرب على الغرب والعالم وممارسة الإرهاب على المدنيين والاجانب، أمر آخر. وقد يكون للعلماء المسلمين والمرجعيات الدينية السنية والشيعية، دور كبير في حماية العرب والمسلمين والسلام العالمي من خطر هذا الإرهاب السياسي الجديد المتستر بشعارات دينية.